TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > واقع بغداد نموذجاً: كانتونات وجدران الفصل الطائفي !

واقع بغداد نموذجاً: كانتونات وجدران الفصل الطائفي !

نشر في: 7 أكتوبر, 2007: 08:24 م

فخري كريم

في التجربة العربية المريرة التي قادت الأمة الى ما هي عليه من وضع مزر وانحطاط، أصبح "الصراخ" في التلويح بشعارات "الرفض"و"اللاءات" مرادفا لمزيد من الهزائم والانكسارات .

واللغة العربية الغنية بمفرداتها وترادفاتها جرى تطويع طاقتها وحيويتها في خدمة عباقرة "الظاهرة الصوتية" هذه، من منُظري وزعماء تحويل الهزائم الى انتصارات، ومن مبدعي "نحت" المصطلحات المقلوبة لكل حالة مأساوية، تمر بها الامة او احد شعوبها او بلدانها المنكوبة ..

والوعي العربي الذي تَمَثل فصول النكبات التي عاشها بخذلان، ظل يسترجع نماذج من "نحت" هؤلاء الأشباه منذ الهزيمة الكبرى في 5 حزيران، التي تجاوزت بهولها وما بعثرته لاحقا من تداعيات على مصائر الشعوب العربية، الحروب المتعاقبة منذ حرب الانكسار عام 1948 .

ويبدو ان ساسة العراق الجديد، وهم يتعاركون على مساحة سلطاتهم وامتيازاتهم، قد ابدعوا المعارك اللفظية التي تشكلت في وعينا عبر فصول المأساة العربية وضروب المآثر التي نجحت في اعادة صياغة مفاهيم "الحرية" و"السيادة" و"العزة" والانتصار"و"المجد"، لتقابلها بمصطلحات "مواصلة الكفاح رغم التراجع"، و"الامة ستناضل حتى اخر مقاتل"، ورغم الانكسار فان العدو لم يستطع حتى الان تحقيق كامل أهدافه !

والغريب ان هذه "الظاهرة الصوتية" التي تمرر علينا بشائر إحراز مكاسب يومية على الارهاب والفساد والطائفية وتوهمنا ان هذه "الانتصارات" تصب في خانة استعادة الأمن والاستقرار والمصالحة الوطنية، تكرس حقائق جديدة مناقضة لكل مايراد منا ان نتقبلها بوصفها " انجازات وطنية".

لقد استعضنا، كما تقول الوقائع الصلدة التي تعيشها بغداد كمثل صارخ، بالفرق المحلية المسلحة التي هي في أحسن الاحوال مجاميع مختارة من طائفة تسود في محيطها، بديلا عن التعبئة الوطنية لكل الناس الأخيار الذين أضناهم القتل والتعدي والتهجير، لتعيد اللحمة الى صفوفهم بعيداً عن الاصطفافات الطائفية والفئوية، ولياخذوا هم على عاتقهم اعادة الامن والوئام الى مناطقهم وعزل المجرمين والقتلة وحملة السلاح "المشبوهة"، نشاطاتهم واهدافهم .

وبديلا عن حملات التوعية الوطنية، والعمل على اعادة الاعتبار "للمواطنة"، باعتبارها القيمة الاسمى، يتم تحت قرقعة السلاح وباسم فرض القانون وحماية المدنيين تنظيم "كانتونات طائفية"، يجري فيها اخلاء احياء ومحلات ومناطق كاملة وتجريدها من طابعها الوطني، وتكريس طابعها الطائفي الوحداني.

ان "القطعان الطائفية" تجوب مناطق كاملة يعلن انها اصبحت مناطق آمنة، تفرض قوانينها وسلطتها، وتصفي بحرية وامام انظار القوات الامريكية بؤر طوائف ومكونات اخرى، لتتحول مناطق نفوذها الى كانتونات مغلقة بعيدة عن سيادة القانون او سلطة الدولة، المتراخية، المغيبة اصلا .

وتقوم القوات الامريكية بفخر وتعجرف بتسليح هذه القطعان، وغض الطرف عنها وعن جرائمها، وتعقد معها الصفقات، التي تتلخص في الغالب في امتناعها عن استهداف جنودها والهجوم على قواتها .

ان "الجدران الكونكريتية" التي أحاطت باحياء ومحلات ومناطق ذات طابع طائفي معين، تتحول الى شواهد على الفصل الطائفي، وكلما اتسعت رقعة هذه الجدران، تكرست ظاهرة "الفصل الطائفي" واقعيا، واصبحت، حياة معاشة، لامجرد دعوات ومحاولات يتفاءل قادتنا حين يصفونها "باليائسة".

ان احدا من قادة الطوائف المتنابزة فيما بينها بتهم "الانغلاق الطائفي" مع انهم جميعاً "طائفيون حتى النخاع"،.. لايتساءل بصوت عال، ما الذي قام به كل منهم، من موقعه الطائفي، لاعادة المهجرين الى بيوتهم، ولننسى مؤقتاً الملايين الملوعة في الخارج وما الذي بذلوه جميعاً بديلا عن ادعاء الوطنية، لاحياء "القيم الوطنية" التي جُبلَ عليها العراقيون، لينفضوا عن انفسهم ما يريد الصاقها بهم تجار الحروب، والمعارك الطائفية، ومسوقو الارهاب، والدعاة القاعديون، والميليشيات المنفلتة من عقالها، من كل الطوائف والمللِ، ومن اوكار الجريمة المتوارثة .

ان الدولة والكتل البرلمانية والاحزاب، تبدو كما لو انها في غفلة من كل ذلك، وهي تسرح في "اضغاثُ احلامها" والحقيقة ليست كذلك، اذ ان كل طرف يتسابق مع "الزمن السياسي" النكًد، لعله يستطيع في المحصلة النهائية، ان يطوعه لصالح ما يستبطن من اهداف، ليست في افضل الاحوال بعيدة عن مسار توسيع مساحة "الكانتونات الطائفية" المقيتة .

ان استنهاضاً واعياً للقوى لصياغة موقف وطني موحد، ينخرط فيه الجميع، هو الكفيل بوأد النشاط المحموم،الجاري لتحويل "الكانتونات الطائفية"، و"جدران الفصل الطائفي" الى واقع لامرد له، تصبح "المواطنة الطائفية"، فيه مرادفة "للمواطنة" .

وبعدها فليقرا المتعاركون الفاتحة، ..كل في صومعته ووفقا لهواه .!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram