فخري كريم
يتساءل المواطنون عما اذا كان الوقت قد تأخر على إمكانية إجراء تغيير جدي في سياسة الحكومة وسلوكها وتطبيقاتها، واستعدادها لتبديد هواجسها من لا جدوى تفاؤلها.
وهم بهذا التساؤل، لا يراهنون على دعوات للإطاحة برئيس الحكومة، ولا يستقوون بجهات أمريكية او أجنبية، وليس لديهم مرشح بديل عنه. إن ما يدفعهم لذلك لا يتعدى بقية من أمل في وضع حد لمعاناتهم، وإزالة شكوك تراودهم في ان هذه الحكومة ليست سوى امتداد لسابقاتها، إنها مجرد مشروع يجسد ضيق أفق حزبي فئوي، لا علاقة له ببناء دولة تليق بما سمي بالعراق الجديد.
لقد تحولت الحكومة ووزاراتها، قبل المالكي الى مقرات حزبية، يكفي المرور بإحدى دوائرها للتعرف على هويتها الحزبية والطائفية. بل ان تدرجاتها الوظيفية لم تسلم، بدءاً من الفراش "الحاجب" فيها من المحاصصة الحزبية والطائفية، حتى حار المواطنون المخيّبون بمن يستعينون لتمشية معاملاتهم او شؤون حياتهم، وكيف يهتدون على المقرات الرسمية للأحزاب والطوائف والمتنفذين فيها.
وتوقع البعض من ذوي النوايا الحسنة ان يجري السيد المالكي نقلة في مفهوم قيادة الدولة، ورجل الدولة، بعد انتقاله هو، من موقعه القيادي كرجل حزب إلى مركزه الحكومي كرجل دولة، والمسافة بينهما لا تحتاج الى دراية أكاديمية دون شك.
ان خيبة الأمل تضاعفت، لا ارتباطاً بتراجع الأداء الحكومي في سائر المجالات، وليس بسبب فشل إجراء تحول سياسي على صعيد المصالحة الوطنية، او حتى فيما يتعلق بمفهوم المشاركة السياسية التي تتطلبها حكومة الوحدة الوطنية، التي اعتمد برنامجها السيد المالكي مع إعلان تشكيلتها، ولا علاقة لذلك كله بدعاوى المعارضة والطامعين بإزاحة السيد المالكي، والتسلط على موقعه، بل لان المالكي شخصياً أضفى طابعه الحزبي الأكثر ضيقاً من الآخرين جميعاً على مفهوم إدارة الدولة، "وحدود المحاصصة" المقبولة في ظل الظروف التي تحيط بحكومته، وهي ليست لصالحه في كل الأحوال.
كأن الصديق المالكي لم يصدق انه أصبح رئيساً لوزراء العراق، وهي مسؤولية تاريخية تحتم عليه ان لا يأخذ بالاعتبار المصالح الوطنية العليا للبلاد فحسب، بل أيضاً الحساسيات السياسية والحزبية التي تتفاعل في اطار العملية السياسية. وفي نزعات اطرافه المتنازعة اصلاً على المكاسب والسلطة، انه في الواقع، ورغم اطلالاته الحكومية الناجحة في الكونغرس الامريكي وفي محافل دولية وعربية اخرى، ظل اسير نزعاته الحزبوية، والطائفية، بل انه لم يتورع عن "شخصنة" كل المراكز والمسؤوليات التي تحيط به، حتى انه لم يوفر مراكز ثانوية تطول مثلاً مكاتب الخطوط الجوية العراقية في الداخل والخارج!
ان السيد رئيس الوزراء نسي ان مكاتبه معنية بشؤون الدولة، وليس بادارة حزبه، وان مستشاريه والعاملين معه، هم موظفون حكوميون، وليسوا دعاة وكوادر يختارهم من الموالين له حتى من بين كوادر حزبه.
هل ان رئيس وزراء العراق المتخم باراء محازبيه، كما يقول اقرب المقربين اليه، لا يحتاج الى جانبهم الى اصوات واراء اخرى، قد تعزز الثقة لدى شركائه بانه مشروع لرجل دولة؟
هل فات الاوان على المالكي ان يجري نقلة في مفهومه لادارة الدولة، وان ينتقل من موقع رجل الحزب الى رجل الدولة؟
لعله سميع مجيب