اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > في مفهوم السيادة:بلاك ووتر ويونتي كروب وسواهما قطعان سائبة!

في مفهوم السيادة:بلاك ووتر ويونتي كروب وسواهما قطعان سائبة!

نشر في: 11 أكتوبر, 2007: 08:29 م

 فخري كريم

انتهت الملاسنة السياسية بين الحكومة والادارة الاميركية، باستمرار حصانة بلاك ووتر، شركة اميركية فوق القوانين، بمنأى عن أية مساءلة او تجريم، كلمتها، مثل طلقاتها الغادرة هي العليا!

لقد قامت الحكومة بواجبها، فهي اصدرت بياناً يدين جريمة بلاك ووتر، واصدرت قراراً بانهاء وجودها في العراق، ثم اوصت بدفع 8 ملايين دولار، تعويضاً عن كل ضحية من الشهداء الـ 17. لكن حادث ليلة امس الاول والجريمة التي نفذتها في الكرادة شركة يونتي ريسورسز غروب بقتل سيدتين عراقيتين ستعيد الى الواجهة جدلا ساخناً حول عمل وتصرفات مثل هذه الشركات.

ولحفظ ماء الوجه، قد تقبل بلاك ووتر بتسوية مالية، تعوض بها عوائل المنكوبين، او تقبلها كمبدأ، وترحلها الى فواتيرها الكثيرة، تقايض بها كخدمات او مقاصة...الخ.

ان رد الفعل الاميركي السياسي على قرار الحكومة العراقية، برفض قرارها الاستغناء عن خدمات بلاك ووتر، لم يكن مفاجئاً، وربما كان الملفت ان تقبل القرار وتتعامل معه ايجابياً.

وليس عقلانياً تحميل الحكومة العراقية اكثر من قدرتها، وكان عليها هي ان تدرك حدود هذه القدرة، والمساحة المسموحة لها في ظل الهيمنة الاميركية المطلقة على القرار الامني والعسكري، وتتصرف على ضوئها، اذ ليس مقبولاً منها، من منطلق احترام هيبتها الشكلية في الاقل، ان تصدر قرارات وتعلنها على الملأ، دون ان تتوفر لها صلاحية وآلية تنفيذها.

ان بلاك ووتر، ليست وحدها قطيعاً سائباً، يعبث بأمن العراقيين، بزعم حماية ارواح الاميركيين ومن تتوكل بحمايتهم من الاجانب الآخرين، مع انها الاكثر شراسة وحرية في فتح نيرانها، قبل ان ينتبه المواطن الى انه اقترب اكثر من اللزوم من حافلاتها، او لم يتنحّ عن الطريق في الوقت المناسب، حتى اذا لم يجد متسعاً من الفراغ يُسهّل له التنحي، بل يستحيل عليه ذلك احياناً مع اكتظاظ الطرقات بالسيارات والمارة والحواجز.

ان دهس المواطنين وهرس السيارات، بالصعود عليها من قبل الاليات العسكرية، حوادث مرت ولم تُسجّل حتى ضد مجهول، واكتفى ذوو الضحايا بالدعاء وطلب الرحمة والانتقام الرباني!

ان بلاك ووتر ليست الا مظهراً مرئياً لغياب استراتيجية سياسية-امنية-عسكرية، يتناول بشكل تفصيلي كل الجوانب التي تستلزمها استكمال قدرات البلاد، وجاهزيتها، ما هي الا مناسبة عرضية للتوقف عن التعامل مع هذه القضية المصيرية، بردود افعال، وانتقائية يفرضها هذا الموقف او ذاك.

واول ما تطرحه بلاك ووتر، وهي ليست سوى شركة حماية اميركية، يتمثل في مدى جدية الحكومة باركانها المختلفة من تأمين المتطلبات التي تمكنها من انهاء خدمات المتعددة الجنسية.

فمن حق المواطن السؤال عن كيفية انجاز استحقاق بسط الامن في سائر انحاء البلاد ومختلف ميادينه، اذا لم تستطع الحكومة بعد مضي خمس سنوات تقريباً، على تأهيل قوى عسكرية وامنية تتولى امن السفارات والاجانب، بل "وحماية مطار بغداد ومنشآت حيوية حكومية واهلية اخرى؟

ان المواطن، وهو يطرح هذا التساؤل، ليس معنياًُ بالتفاصيل والتعقيدات المحيطة، او برؤية الجوانب المختلفة من اوجهها، فما يعنيه اولاً واخيراً، انهاء مسلسل اراقة الدماء وتدمير الممتلكات والثروات.

ان احداً لا يشكك بحرص القيادة السياسية على التعجيل في بسط السيادة العراقية على امن البلاد وشؤونها العسكرية والسياسية، او البحث عن السبل الكفيلة بذلك. لكن نقطة ضعفها تكمن منذ البداية في رفضها الاعتراف بأن كل ما هو عسكري وامني، ليس في الجوهر سوى سياسي. وبالتالي من المستحيل وضع حد للفوضى الامنية والعسكرية، وشل قدرات الارهابيين، وعصابات الجريمة المنظمة، والميليشيات الطائفية، دون معافاة المناخ السياسي، وتوحيد ارادة القوى الحية في المجتمع وتعبئتها واستنهاضها ووضعها امام التحديات التي تواجهها، ومشاركتها النشيطة في الحياة السياسية وفي الدفاع عن امنها وكرامتها وحريتها ومستقبل اجيالها.

ان كل الاطراف والكتل والقيادات السياسية تؤكد على حقيقة ان ما هو امني-عسكري يتطلب اتفاقاً او وفاقاً سياسياً، ولا يتحقق ذلك بدون ارادة حرة شجاعة منها جميعاً، لكنها لا تتصرف في الواقع الا عكس ذلك، بوعي منها، او بضعف ادراك، او بفعل اوهام يراود بعضها من احتمال فعل الزمن لصالح توجهاتها المتعارضة مع الارادة الوطنية العامة.

وليس صعباً تلمس التلكؤ والمماطلة والمراوحة في المكان، الذي تتصف بها معالجة الحكومة والمعارضة لهذا الجانب الخطير الذي يتوقف على معالجته وطنياً مستقبل العملية السياسية برمتها، ووحدة العراق وسيادته واستقلاله، وحماية ثروات البلاد وارواح العراقيين وانجاز الاستحقاق الديمقراطي بوصفه هدفاً ملحاً ومباشراً.

وحتى الآن، يصح التأكيد على ان الحكومة لم تتخذ اجراءً حاسماً يفصح عن نهجها ونواياها في تأكيد تكريس التوافق باعتباره مشاركة، لا اقصاءً او تهميشاً او استصغاراً، لا يخل في حالة الاخذ به بالتوازن في المصالح، ومع انه لا يعتمد الاكثرية والاقلية كمعيار مطلق، لكنه ليس مقبولاً تجاوزها ورفض الاعتراف بحقائقها واستحقاقاتها في اطار التوافق المطلوب.

والمعارضة هي الاخرى، ليست مستعدة حتى الآن، للتخلي عن اوهامها ومفهومها للتوافق والمشاركة، بوصفهما، تعطيلاً للارادة المشتركة وتجاوزاً مطلقاً لمفهوم الاكثرية والاقلية وحقائقه الواقعية واستحقاقه، وليس باعتبارهما تسوية وتنازلاً متبادلاً يراعي الخصوصيات والاستحقاقات.

وفي عملية التجاذب السلبي بين الحكومة والمعارضة، يتغافل الطرفان عن حقيقة ان الاخطار الكامنة تستهدف كليهما، ولن تترك لأي طرف منهما حظوة الربح على حساب خسارة الآخر، وربما لا يدركان بانهما في غفلتهما هذه او استغفالهما، يغامران بمصير البلاد،... بسيادته واستقلاله ووحدة ارادته المضيعة.

ان جريمة يونتي غروب وقبلها جريمة ساحة النسور وبطلتها، قطعان بلاك ووتر، وضحاياها الـ 17 من الشهداء العراقيين، هي احدى المحطات المأساوية التي تتطلب من طرفي محنتنا، الحكومة والمعارضة، التوقف عندها، وتدارك ما تستوجبه من خطوة شجاعة نحو تأمين الشرط الذي لا بديل له، لاستعادة الامن والسيادة،... وهو شرط يقتضي تجاوز الذات،... والمبادرة من الطرفين، الحكومة اولاً، لتأمين انتقالهما الى ضفاف التوافق الوطني...

عندها لا تستطيع شركة اميركية، او اية قوة اخرى، تحدي ارادتنا الوطنية، والتجرؤ على سفك دماء العراقيين دون عقاب رادع،...

بلاك ووتر و يونتي كًروب، والقطعان السائبة الأخرى، ام العراق والعراقيون؟،...

ان مصير من ينتهك شروط تحقيق الارادة الوطنية،...

اللوم والاتهام والادانة!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

الستراتيجيّةُ العمياءُ وراءَ فاجعةِ الكرّادة..

في حُمّى "الهَلْوَسةِ السياسيّةِ" استرخى وزراءُ "الغَمْغَمَةِ" واللَّك..!

بينَ اليأسِ والإحباط مساحةٌ مضيئةٌ للصمت ..!

الموت حين يُصبح طقساً عابراً بلا مراسيم تشييع للفقراء .!

"بــيــروت مـــديـنـتــي".. وعـيـــنٌ عـلـــى بــغــداد ...

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram