TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > في مواجهة ملوك الطوائف..مأثرة المواطنية في شارع الكفاح!

في مواجهة ملوك الطوائف..مأثرة المواطنية في شارع الكفاح!

نشر في: 28 أكتوبر, 2007: 08:37 م

فخري كريم

فيما تتواصل عمليات "حفظ النظام"، وتنحسر بفعلها حدة الإرهاب، تبقى طي الكتمان معاناة مئات آلاف المواطنين، الذين هُجّروا قسراً،

تحت طائلة الموت، من مناطق سكناهم، وتم الاستيلاء على منازلهم، ومتاعهم، وما ملكت أيديهم، وشُرّدوا، هائمين على وجوههم، بلا حول ولا معين.

وفي الوقت الذي تحمل خطة "حفظ النظام"، اسم الحكومة، وتهتدي بتوجيهاتها، تحت رعاية القوات الامريكية، تلتزم الحكومة نفسها، بوصفها "حكومة وحدة وطنية"، "صمت العاجز" ازاء محنة المشردين، ضحايا التهجير والقتل والسلب على الهوية الطائفية والدينية.

وللحكومة ما يبرر لها هذا الصمت،وهذا العجز، اذ ليس بمستطاعها حماية مواطنيها بغض النظر عن هويتهم، ما دامت موضع "شبهة طائفية"، او طائفية، كما يتهمها الآخر،.. الطائفي بامتياز.

ويضيع خلق الله من الطائفتين، تحت اعقاب المتقاتلين، في حرب الطوائف وملوكها، دون ان تكون لهم يد في ما يجري من حولهم، وما يُقتَرف باسمهم من جرائم وقتولات.

واذا كان حال الحكومة على ما هو عليه من عجز واستكانة وتخاذل، فان حال الناطقين باسم الطوائف أمرّ وأدهى.

انهم لا يعبّرون عن العجز ازاء ما يجري، ولا يندى لهم جبين، على ما تعانيه الجموع البريئة، من اسى واحتقان وقلة حيلة، ولا يستثيرهم كل ذلك، للعمل فوق خلافاتهم "المصلحية" الطائفية التي ليست لها علاقة مباشرة، او غير مباشرة بحياة المواطنين المعذبين المسلوبة ارادتهم، خلافاً لما جُبلوا عليه، من قوة شكيمة وجلد وتصبر، وما عُرفوا به من استعداد للتضحية في مواجهة الصعاب في كل عهود القهر والاستبداد التي مرت عليهم طوال العقود المتعاقبة من التسلط.

ان الناس الشرفاء، من كل الطوائف والاديان والملل، ليسوا سوى ادوات اطماع واقشاش حرائق، لذوي الاطماع من دهاقنة الطوائف، بالنسبة لهؤلاء، الذين تسللوا من بوابات الخراب والفوضى وتشظّي الارادة الوطنية... الغرباء عن تقاليد العراقيين وقيمهم، بما عكسته من نخوة، واخوة ويقظة، وحّدتهم في الملمات.

لقد ابتدع هؤلاء الدهاقنة، في لحظة غيبة وعي، مسميّات للتفرقة وتمزيق الشمل، اختلقوها لانفسهم، ليستبدل بها الناس، ما عُرفوا به من اسماء، لها دلالات على الوطن والوطنية.

فاكرهوا الخلق على لبوس "المذهبية" و "الطائفية" و"العشيرة"، واشلاء اخرى، وصنفوهم حتى داخل مذاهبهم وطوائفهم، على مشارب عقائدية ضيقة، ومرجعيات متحزبة، وقيادات تجبّبت، وتحوّلوا بين ليلة وضحاها الى رجال دين وفقهاء واصحاب مدارس فقهية، وهيئات علم وفتوى.

وقسروا الناس على الاحتماء بهم، من حمّى القتل على الهوية، التي زرعوا هم انفسهم بذورها، واشعلوا بنيران مصالحهم فتنها.

وها هو حصاد الفتنة يتحول الى جحيم للمواطنين، وملايين الدولارات السحت لملوك الطوائف وقادتها، ممن حملوا "الهوية" المدماة، وهي براء منهم، الى الملوك والرؤساء وقادة الدول ليبتزوا باسمها "الهبات" بادعاء حماية طوائفهم كذباً، مع انهم يوسّعون بها دائرة الحرائق لعلها تقوّم لهم الوضع ليتربعوا على كراسي السلطة، ويستحلبوا رفاهيتها وامتيازاتها.

وهم حين يرفعون اصواتهم، دفعاً للشبهات، ويطالبون "برحيل القوات الاجنبية" و "تحرير البلاد"، يتدافعون في وضح النهار، دون وجل اوحياء، متسابقين على تفسير دعواتهم امام قادة بلدان هذه القوات وسفرائها في بغداد، باعتبارها مجرد تصريف للاحتقان وجسر للتواصل مع انصارهم ومريديهم، ومبارزة على "الحق" مع منافسيهم،.. وربما حفظاً لماء وجوههم!

لقد نجح زعماء الصدفة هؤلاء، في التشويش على ذاكرة جموعنا، ودس سموم الفرقة والتقاتل والانقسام في عقولهم، وتمرير تسمياتهم، المهينة للكرامة الوطنية، بديلاً "للمواطنة" التي ظلت دائماً مصدر وحدة وانتصارات.

لكنه نجاح،.. مثل كذبة نيسان!

فها هم اهلنا في شارع الكفاح، من سكنة محلات الفضل وابو سيفين وباب الشيخ والصدرية، سنة وشيعة، كرداً وعرباً، مللاً وطوائف وقوميات، جمعتهم اواصر التآخي دائماً، يعلنون "صحوة" يستعيدون بها كرامة "المواطن"، التي وحّدتهم ومنحتهم القوة على ملاحقة ومطاردة فلول القتلة والارهاب والطائفية، نابذين عن انفسهم كل التسميات والبدع المختلقة الاخرى.

ان اهالينا في شارع الكفاح، يقدمون لنا بمأثرتهم هذه، ما يذكّرنا بالمآثر المجيدة لشعبنا في انتفاضاته ووثباته، نموذجاً يحتذى، لما ينبغي ان نكون عليه.

وبمأثرتهم هذه، جسدوا "لحكومتنا" و"قادة فرض القانون" و "ملوك الطوائف" و "سياسيّينا من المهمشين"، المفهوم الحقيقي للامن، وللاستقرار، وللصحوة الوطنية المنشودة، التي تجسدت عند اهالي الكفاح، في تلاقيهم والتئام اخوّتهم ووحدة مصائرهم، وهم يتعالون على اي خلاف او انقسام، نابذين عنهم كل الاسماء سوى اسم "المواطن".

لقد اصبحت منطقة الكفاح، باهاليها الاماجد، في الفضل، والصدرية، وابو سيفين، وباب الشيخ، مساحة مضيئة للتواصل والمبادرة الشعبية، لا مهجّرين منها،.. ولا دعاة قتل وتفريق على الهوية، ولا ميليشيات متعصّبة، ولا شذّاذ آفاق…

وقبلها هزت "صحوة الانبار"، وغيرها من محافظات ومناطق في بغداد، فلول القاعدة وزمر الارهاب، لكنها تظل تنتظر صحوة أعمق، تلملم الشمل، مثلما فعل اهالي الكفاح، وتصفي بؤر الطوائف فيها لا زمر الارهاب فحسب.

ومثل كرة الثلج، كبرت آمالنا مع اهالي الكفاح، ولعل مأثرتها ستكبر وتتسع لتغطي مساحة الوطن كله، لتطفىء حرائق ملوك الطوائف وزمر الكراهية!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram