فخري كريم
ان البلاد تدار بلا سيادة فعلية. وهذا واقع لا جدال فيه، يضع الوطنيين امام مسؤولية تجاوزه، واستعادة أستقلال وسيادة البلاد بأقل ما يمكن من الاضرار والتبعات السلبية،
وابعد ما يمكن عن المغامرة غير المحسوبة، بماتحقق من نجاحات وانجازات في اطار الاستحقاقات الامنية والسياسية والاقتصادية.
والجدل يدور بخصوص السبل والوسائل الكفيلة بالانتقال الى مرحلة السيادة الفعلية، لكنه جدل يفتقر حتى الآن الى مواجهة مكشوفة لمتطلبات هذا الاستحقاق، وما بعده، والتداعيات التي يمكن ان تؤدي اليه، اذا لم يستند الى رؤية واضحة، بمنأى عن تأثيرات جانبية، وردود افعال ذاتية، وانسياق وراء ضغوط خارجية.
ان خروج العراق من التزامات الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ومفرداته، لا يتحقق بالمناورات والالتفاف عليه، بل بمواجهة متطلباته وتقييم مسؤول للبدائل المطروحة، ومايمكن ان تحققه من انجاز سيادي او القبول بتمديد مفعوله، وما يعنيه ذلك من استمرار "للوصاية المذلة" وكوابيسها.
ان "الهروب الى الامام" ليس انتصاراً ولايغني عن هزيمة، بل يعكس ضعفاً وعجزاً عن مواجهة الحقيقة المرّة التي تدفع الى اعتباره خياراً..
ويبدو واضحا اليوم ان على الحكومة والقيادة السياسية بكل اطرافها، ان تتجرع الكأس "وأحلى ما فيها مر".
وما هو اكثر وضوحاً، انها بدرجات متفاوتة لا تريد ان تكون "كبش فداء" فتأخذ على عاتقها قبول اي خيار ينطوي على التزامات مخلة، حتى ولو شكلت تجاوزا ايجابيا "للسيادة المنقوصة" .
ولان طبيعة مثل هذه المواقف، ليست سوى (مراوغة) و (مناورة ساذجة) وتخلّ عن (المسؤولية الوطنية) فإن اي طرف يعتمدها أداة لتحديد موقف، لا يمكن ان يكون منزهاً ، مأمون الجانب، جديراً بتحمل المسؤولية.
وليس اشد اضراراً على مصالح البلاد في المرحلة الراهنة، من (المزايدة) والتلاعب بالمشاعر، (والفروسية الدنكيشوتية).
المطلوب، بكلمات بسيطة وواضحة، اتخاذ قرار سياسي، تشارك في تبنيه علنا، القيادة السياسية، بكل اطرافها الاساسية، ويقره البرلمان، بشأن الخيار الافضل والاقرب الى مفهوم السيادة، للخروج من الفصل السابع لميثاق الامم المتحدة، المخل بابسط تجليات الارادة الوطنية، ومن دون الانزلاق الى التزامات تعاقدية، تسلب هذه الارادة من حيث الجوهر وتتناقض معها.
ان (الاتفاقية) او (مذكرة التفاهم) لا تختلفان الا من حيث التعبير او الشكل، وكل منهما يمكن ان ينطوي على التزامات تعاقدية مخلة.
والعبرة ليست في اي منهما يتجسد الخيار الافضل للخروج من الحالة الراهنة ، بل ما يفرضه من شروط والتزامات وقيود تمس السيادة والارادة العراقية الحرة.
ان المراوحة والاستغراق في نحت (بدائل لفظية)،لا تغني ولاتحرر الحكومة او القيادة السياسية، في المحصلة النهائية، من مسؤولية اتخاذ القرار وتحمل نتائجه.
ولكي يكون قرارها انعكاسا لطبيعة المرحلة التي تجتازها البلاد، وظروفها الموضوعية، وتجاذباتها، وموازين القوى التي تتحكم في وجهة تطورها، فعلى الحكومة ان تبادر الى تشكيل لجان سياسية، قانونية، عسكرية،أمنية، مالية ومؤهلة، لاتعتمد في اختيارها على المحاصصة والتلاوين المذهبية، بل على الخبرة والجرأة في التقييم، لتقدم تصوراتها الملموسة المحددة الى المجلس السياسي للامن الوطني، وليحدد في ضوئها وجهة سياسية يتخذ وفقاً لموجباتها القرار في اختيار البديل.
ان اي قرار او وجهة لا يراعي تقييم ما انجز من مهام، وما لم ينجز من استحقاقات، سواء على الصعيد العسكري او الامني او المالي، ولا يأخذ بالاعتبار مدى نضج حالة التوافق الوطني، والمصالحة الوطنية في العمق، لن يكتب له النجاح ولن يعبر عن الخيار الوطني.
ورفض الصيغ الاولى من مسودة الاتفاقية المطروحة من الجانب الامريكي من قبل اجماع المجلس السياسي للامن الوطني، دليل وعي وطني، وحصانة في مواجهة الخيارات المتعارضة مع مصالح البلاد.
لكن الرفض دائما سهل وميسور، وعالمنا العربي يعج بالرافضين، وصدام كان معلماً متخاذلاً معروفاً في عالم الرافضين.
المهمة الملحة المباشرة امام القيادات السياسية، .. القبول بخيار يتجاوز ما نحن فيه من مذلة وطنية عامة، تفضي الى اعادة ترسيم حدود السيادة، وارساء اسسها وتمكيننا من مواجهة متطلباتها.