TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > في مفهوم التوافق: لحظة غياب الوعي!

في مفهوم التوافق: لحظة غياب الوعي!

نشر في: 24 يوليو, 2008: 07:09 م

فخري كريم

دخلت الديمقراطية التوافقية التي كرسها الدستور العراقي، كقاعدة للعمل الوطني المشترك، مرحلة "النزق السياسي"، الذي يعكس رغبة بعض الأطراف في الاستقواء "بالقوة التصويتية"،

عندما يبدو لها أن ذلك ممكن لإمرار توجهاتها.إن مفهوم الديمقراطية التوافقية، الذي اعتمد منذ سقوط النظام الاستبدادي وأطّر العملية السياسية الديمقراطية، حال دون الانزلاق إلى متاهات صراعات سياسية وانقسامات تمزق المجتمع العراقي وتفكك وحدة البلاد.والتوافق السياسي، يعني في جوهره، تكييف مبدأ الأكثرية والأقلية في مرحلة الانفلات السياسي والأمني، وغياب سلطة الدولة ومؤسساتها وأجهزتها، وبروز نزعات التشظي على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية، لصالح الانحيازات الطائفية والعشائرية والمذهبية وغيرها.

لقد ارتبط اعتماد قاعدة "التوافق" من قبل المكونات الأساسية في العراق، بانهيار أعتى سلطة دكتاتورية استبدادية، عملت طوال عقود من التسلط على تصفية الحياة السياسية وإفراغها من أي عنصر حيوي من عناصر المجتمع المدني، وأنهكت الدولة وأفرغتها من أركانها وأدواتها، بعد أن حولتها إلى أداة عائلية وظيفتها، تجسيد مصالح وأهداف الدكتاتور.

إن الاختلال التكويني في بنى الدولة ومؤسساتها، تمخض بعد انهيار الدكتاتور في 9 نيسان 2003 عن إعادة تركيب بنيوية للدولة، على أساس اصطفاف جديد، ينتزع سلطتها من مكون لصالح مكون آخر، وفقاً لمبدأ الأكثرية والأقلية الطائفية، في ظل أوضاع تميزت بالانفلات الأمني الشامل، وغياب أجهزة ومؤسسات الدولة نفسها، وما نجم عن ذلك من فراغ إداري، تسللت إليها المليشيات والجماعات المسلحة الخارجة على القانون.

في مثل هذا الظرف، المنفلت بكل المعايير، كان التوافق، الصيغة الديمقراطية الوحيدة القادرة على ضبط الإيقاع السياسي والاجتماعي في العراق الجديد.

ووفقاً لهذه الصيغة، بدأت عمليات إعادة بناء الدولة ومرافقها، .. والحكومة وأجهزتها، والعملية السياسية وضوابطها.

"فالتوافق" من حيث الجوهر لا يلغي الأكثرية، بل يكيّف إرادتها لخدمة المجتمع ككل، ولصالح بناء دولة تكون حاضنة للجميع. وهو لا يعطل إرادة الأكثرية بل يحاصر نزعات الهيمنة عندها.

كما أن التوافق، لا يعني تهميش الأقلية، بل يمنحها قوة مشاركة إيجابية تستوعب التغيرات وترتقي بها لتعبر عن المجتمع ككل أيضاً، لا لأي طرف فيه مهما كانت قوته من دون أن تهمشها أو تتجاوز على مصالحها، لكنه في الوقت ذاته لا يمنحها قدرة تعطيل الإرادة المجتمعية السياسية العامة.

إن التحالف السياسي وفقاً لمفهوم التوافق يشكل أداة بناء، تعتمد المساومات "الإيجابية" والتنازلات المتبادلة التي تخدم عملية البناء، لكنه يتناقض مع أي مناورة أو اصطفاف ينطوي على تجاوز أي مكون أو تعطيل إرادته في المشاركة والقرار.

وللتحالف السياسي، قواعد مبدئية وأخلاقية، لا تستوي مع "مواقف انتقائية" أو "اقتناص فرص". وهو يتعارض مع التجرد من الالتزامات التي يفرضها، أو الاصطفاف مع قوى وعناصر تتخندق في الاتجاه العام، ضد العملية السياسية الديمقراطية، وتلتزم مواقف وسياسات تتعارض مع وجهتها وأهدافها البعيدة، ولا تخفي تعاطفها وحنينها إلى الماضي.

لقد شهدت جلسة مجلس النواب أمس الأول، الذي طُرح فيه قانون انتخابات مجالس المحافظات، ممارسة خارج سياق التوافق وعلى الضد من مبادئه وجوهره. والخطورة لا تكمن في الممارسة الديمقراطية الشكلية، أي تصويت "الأكثرية العددية" بل في إقحام بدعة "التصويت السري" المخالف للدستور والشفافية التي اعتمدت حتى الآن لتمرير إقرار القانون في غياب المكون الأساسي الثاني في العراق، وكذلك في اصطفاف قوى محسوبة على العملية السياسية وترتبط بتحالف سياسي وبرنامج عمل مشترك في إطار السلطة، مع قوى وتجمعات وأفراد تتعارض معها وتقف في الصف الآخر تماماً، متجردة من التزاماتها المبدئية والأخلاقية.

إن ما جرى بالأمس من قبل بعض القوى، شكل تلاعباً بمفاهيم وقيم التحالف، وخروجاً على أسس العمل المشترك، ويضعف إلى حد بعيد الثقة بين المكونات الأساسية، ما يعتبر سابقة قد تؤدي إلى تحلل التحالفات القائمة، التي كانت ولا تزال الضامنة الأكيدة للعمل السياسي، ولحكومة الوحدة الوطنية والتوجهات المرتبطة بها.

إن اعتماد "اصطفاف وقتي" ليس حكراً على هذا الطرف أو ذاك، ولا يمكن اعتبار ذلك تذاكياً أو شطارة، بل مظهراً لغياب الوعي بالمخاطر والتحديات التي لا تزال تحدق بالتجربة وهي في طور التكوين، وتواجه عملية بناء العراق الديمقراطي الفيدرالي الجديد.

لقد مرر قانون، لن يمر..

والمطلوب استعادة اليقظة وعودة الوعي ممن توهم، بأنه كسب "جولة إستراتيجية"، مررها في لحظة حسن نوايا طرف في التحالف، لا يراهن على ما هو طارئ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram