TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الافتتاحية :في رحاب العولمة الإنسانية :من الأقبية السرية إلى الفيس بوك

الافتتاحية :في رحاب العولمة الإنسانية :من الأقبية السرية إلى الفيس بوك

نشر في: 16 مارس, 2011: 07:12 م

 فخري كريم

جاءت العولمة، بكل ما تحمله من إعجاز العقل البشري وتطوره في سائر ميادين وحقول العلوم والثقافة والنشاط الإنساني،

كلحظة تحول نوعي فتحت أفقا لا محدوداً للمستقبل أمام الأمم والشعوب، ومكنتها من سبر أغوار المجاهيل التي كانت تبدو قبل بضعة أجيال، مما يستعصى على الإدراك والفهم، وبعد لحظة هذا التحول، تسارعت عمليات التطور في مختلف الميادين بوتائر لم يسبق لها مثيل، حتى أصبح كل مجال وميدان عالماً بحد ذاته،

وتجزأت هذه العوالم هي الأخرى إلى حقول تتفرع عنها حقول.وانتقلت العدوى إلى ميدان السياسة، ولكن ليس في عالمنا العربي والعالم الثالثي، حتى إلى حين، بل في "دار العولمة" نفسها، حيث تشكلت قوى وتجمعات من مختلف القارات والمشارب الفكرية والسياسية، مضادة للعولمة المتوحشة، ومظاهر هيمنتها العسكرية المتسيّدة على العالم، وأحلافها العدوانية ومعسكراتها المنتشرة في سائر القارات. وعبر "الشبكة العنكبوتية" الخلاقة، نظمت هذه القوى والتجمعات مظاهرات واعتصامات في مواقع اجتماعات ولقاءات قادة "الدول الثماني" وقيادات الناتو والأحلاف العسكرية الأخرى للتعبير عن آرائها وتصوراتها وشعاراتها وهمومها ومواقفها المعادية لسياسة تلك البلدان وتوجهاتها المضادة لمصالح البشرية وشعوب العالم.

لم تعتمد هذه القوى والتجمعات على أي تمويل أو دعم من جهة، دولة كانت أم حزباً أو قطاعاً خاصاً. لقد تحركت بالاعتماد على إمكاناتها الشخصية ومن وحي ضمائرها وإحساسها الإنساني بالمسؤولية ومن وعيها بتشابك وترابط مصالحها في بوتقة واحدة، بغض النظر عن جنسياتها وبلدانها وألوان بشرتها وقومياتها، إذ أصبحت القرية الكونية توحد مصائرها ومستقبلها.

انتقل هذا المارد العولمي الجبار ببطء إلى عالمنا في ظل تابوات الأنظمة الاستبدادية المهيمنة في عالمنا العربي، فكان أن أضفى عاملاً غير محسوب، على عوامل غياب الحريات ومصادرة الإرادات وتدهور الأوضاع المعيشية والفساد والنهب، ليفجر الغضب العربي الذي بدأ وأخذ يتواصل في كل اتجاه.

لقد انبثقت الأحزاب والحركات الكبرى في البلدان العربية في ظل ظروف قهر سياسي، حرمتها من أي إمكانية للنشاط العلني وتنظيم الفعاليات الفكرية أو السياسية أو التعبوية، فكان اعتمادها على أقصى أساليب العمل السري بين الناس ، في البيوت والمعامل والمدارس والجامعات، في صفوف الطلبة والشباب والنساء والعمال والجنود. وكانت تقود الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات، وكل أشكال النشاط المعارض الفعال، بالتفاعل مع أعضائها وأنصارها ومريديها، وبالاعتماد على إمكاناتهم الشخصية ومستوى استعدادهم للعمل والتضحية، وانغمارهم في ذلك كله بقناعة وتفان. يومها كانت تلك الأحزاب والحركات، تملأ بيوت وحارات وشوارع بلدانها بالأمل والتطلع إلى التغيير، لم يكن لها مقرات، ولم يكن لها كوادر إلا على عدد أصابع اليد الواحدة أحيانا، ولا موظفين!. إما ميزانياتها فلم تتعد اشتراكات أعضائها وتبرعات أصدقائها. ومع ذلك كان لها ابرز الأدوار في حياة شعوبها وفي إشاعة الوعي الوطني في أوساطها المختلفة، وفي رفع مستوى استعدادها للانخراط في النضال لتحقيق تحرير بلدانها وفي الدفاع عن حقوقها وقضاياها.

لكن أحزاب وحركات تلك الحقبة الواعدة، في الستينيات والسبعينيات وما بعدها، تأثرت بما استجد في العالم العربي، فأُثقلت بما يسرته أنظمة الموجة التحررية، وهي في صعودها، ولم تعد تستطيع ممارسة نشاطها وتنظيم فعالياتها، دون تمويل كبير لتأمين أرزاق المتفرغين من كوادرها وتغطية نفقات مقراتها وتنقلاتها، وغيرها من أوجه النشاط والنفقات، يستوي في هذا من كان في بلده، يمارس النشاط السري أو شبه العلني أو في المعارضة في الداخل أو الخارج. وأصبح معروفاً الآن التراجع الكبير الذي تعرضت له هذه الأحزاب والحركات، وانحسارها عن مواقع نفوذها وقواعدها، ليس بمعزل عن سياسات القمع والتصفيات التي مارستها الأنظمة الاستبدادية إزاءها.

إن حقبة جديدة أطلت على عالمنا فغيرت كل شيء وآن للأحزاب أن تجد لها مكاناً فسيحاً فيه، فليس صحيحاً أن ما جرى أنهى ادوار القوى التي تسعى للتغيير والعمل على استنهاض شعوبها وبلدانها ووضعها على طريق التطور والتقدم. لكن الحقبة الجديدة تخطت بالفعل الأساليب والوسائل القديمة لأنها لم تعد قادرة على الاستجابة لما هو جديد وحيوي فيها.

إن الطبيعة الفردية التي توحي بها الوسيلة العولمية "الشبكة العنكبوتية، وما توفرها من وسائل اتصال وتواصل، وجهازها الفردي "الحاسوب" الذي يجسد ذلك، يختزل الطبيعة الجمعية للعولمة فيها، فالعزلة الفردية لمستخدمه، مظهر خادع للنافذة المفتوحة منه على الأرجاء كلها وعلى مسامات العالم كله بما فيه من علوم ومعارف وبشر ونزعات وأفكار وهواجس وتوجهات. إن فسحة الاتصال فيه تنطوي على إمكانية التعرف على النوايا وقراءة مدلولاتها وما يمكن أن يبنى عليها. ومن هذه النافذة تلتقي المعرفة بالإرادة فتوحدها وتعبئها وتطلقها كبشير ونذير لا مرد لهما!.

وهذه الفردية في ظاهرها، إذ تطرح على الناس الوسيلة للتواصل والحوار والعمل المشترك، فإنها تفتح أفقاً أوسع وأرحب أمام كل قوى التغيير، أحزابا وحركات ومنظمات مجتمع مدني، لكي تتجاوز وسائلها وأساليبها القديمة ، التي تحولت بفعل التقادم إلى عادة، وتهجرها إلى رحاب ما وضعته منجزات العولمة تحت تصرفها. إنها وسيلة "فردية" لا تحتاج إلى مقرات ولا ميزانيات ترتهن الإرادة وتسلب الاستقلالية، وهي عصية على "التصفيات الجسدية" والسياسية المحببة للأنظمة الدكتاتورية والمستبدة. واهم من ذلك كله أنه الوسيلة التي تطل على المستقبل عبر الالتقاء بالشباب بوابته وحاملة قضيته وضميره!

فإلى عالم الفيس بوك، ووداعاً للمقرات وما ثَقُل فيها،

وتحية لكل بيت ينبت فيه وعدٌ شبابيٌ يلتحم بإرادة الناس،

وأملٌ أن يصبح في كل بيتٍ حاسوب وفضاء مفتوح على العلم والتغيير.

وبشارةٌ بعراق ديمقراطي، يتطهر من الفاسدين والمهووسين بالتحكم في رقاب الناس!.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram