فخري كريم
احتفل الشيوعيون في ٣١/آذار بعيد تأسيس حزبهم وسط مشاركة شعبية واسعة، وتعاطف وطني اتسع في الفترة الأخيرة
وهو تعاطف لم يكن بمعزل عن الموقف الصحيح الذي اتخذه الحزب من الحركة الاحتجاجية التي اجتاحت المحافظات وشارك فيها، العاطلون عن العمل، والشبيبة المتوثبة، والفئات الاجتماعية التي لا تستطيع تأمين رزق عوائلها، والمهمشون الملتاعون من كل ما يحيط بحياتهم،
وفيهم كثرة لا تختلف أوضاعهم عن الوضع اللا إنساني الذي انتحر بسببه البو عزيزي في تونس فأوقد بتضحيته الثورة في وطنه، وأشعل الحرائق على امتداد العالم العربي، فأسقطت أنظمة جائرة، وأنظمة أخرى وطغاة آخرين ينتظرون مهما كابروا وتمادوا.
وما فعله الشيوعيون، لا يدخل في باب ضيق الأفق الحزبي، أو ما يسمى بالحزبوية أو الفئوية، أو غير ذلك مما هو توصيف لنشاط لا يعكس اهتماما وطنياً. كما لا يمكن توصيف انحيازهم كما لو انه تواطؤ مع فاسد أو نهّاب أو طائفي كريه، والأكثر من ذلك أنهم لم ينحازوا لأنهم رأوا في انحيازهم تشجيعاً أو دعماً للبعثيين، ولا للإرهابيين بطبيعة الحال. إنهم انحازوا للمظلومين المحرومين المقموعين، وشاركوا معهم خلافاً لكل الافتراضات السابقة ، وتحمسوا للمشاركة لكي يصدوا بوعي قاعدتهم أي محاولة تسعى لحرف الاحتجاج، وتحويله من المطالب الجماهيرية العادلة، التي تدعو لإصلاح العملية السياسية حفاظاً عليها وإسهاماً في توطيدها، كما هو ديدن كل الوطنيين الآخرين ومنظمات المجتمع المدني والحركات النسائية ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي والسياسي في الانترنيت.
لقد فعل الشيوعيون بموقفهم هذا عين الصواب، وأعادوا الاعتبار للحزب، ولجرأته في الدفاع عن قضايا الناس، بين من راوده الشك في ذلك، أو تلمس في سياسته ما لا ينسجم مع هذا التوجه. ولا بد أنهم انطلقوا من إدراكهم أن مثل هذه المواقف، قد تشجع مختلف فئات الشعب على أن تتجاوز النزوع السلبي واللا أبالية إزاء القضايا العامة سواء تعلقت بمطالبها الخاصة أو بالقضايا الوطنية التي تُعَرّض البناء الديمقراطي المدني للدولة أو الإسهام في التصدي للإرهاب والتكفير بكل أشكاله وتجلياته. وهم على حق كامل في هذا التقدير.
ولو لم يفعلوا هذا لما احتفلت معهم ولو من بعيد، وأكاد أقول، إن المحتفلين أنفسهم وهم جمهور كبير كما نقل الاعلام ذلك، ما كان لهم أن يحتفلوا بالحماسة والفرح الغامر الذي بدا عليهم، رغم أن موقف حزبهم جر عليه نقمة السلطة، وانعكس على العديد منهم وخصوصاً من شارك في المظاهرات أو شجع عليها ملاحقة واعتقالاً أو حتى تعذيباً، وكانت من تبعاته أيضاً أن يرسل حليفهم "الموضوعي" رئيس الوزراء قواته لإخلاء مقراتهم.
ومن الممكن تفهم التباين والاختلاف في وجهات النظر بين المتحالفين "موضوعياً" في ظل الأنظمة الديمقراطية، والقول العربي المأثور الذي يستشهد به الجميع "الخلاف لا يفسد في الود قضية" يكفي أن يختزل ما ينبغي أن يجري التعامل به في مثل هذا الإطار، ويبقى التواصل والحوار والتفاعل القاعدة المجربة الكفيلة في أصعب الظروف والأزمات من إيجاد تسويات وحلول لصالح القضايا المشتركة، وخاصة حينما تتعلق بالمصالح الوطنية العليا وصيانة العملية السياسية.
لكن المؤسف أن مثل هذا النهج الديمقراطي، والتعامل بين المجتمعين في القضية المشتركة حين يختلفون يدخل في باب التمنيات، ويحتاج إلى ثقافة الحوار والجدل على قاعدة الاختلاف وقبول الآخر.
لم يهتز احتفال الحزب، كما لا يفسد أي احتفال سياسي أو عائلي أو شخصي بمقاطعة أو بعدم الحضور والمشاركة فيه من أيٍ كان، ولكنه يعكس جواً ويثير تساؤلات وخصوصاً في مثل الوضع الملتبس الذي نحن فيه.
لقد قاطع إسلاميو السلطة كلهم احتفال الحزب الشيوعي، فأي تساؤل يثيره ذلك وما الذي يدل عليه؟
إن مغزى هذه المقاطعة، لا يتبين بوضوح ساطع إلا إذا توقفنا عند ما حصل في نفس الفترة من نشاط بارز قيل عنه، انه فتح آخر أثمر بعد سنوات من الحوار والجهد المتواصل "عن انضمام جديد لمسلحين يعزز المصالحة الوطنية"!
وما الذي قدمه، بضعة ملثمين وبيان عن نزع سلاح من فصائل "مقاومة"!
أليس عيباً أن يقدم لشعبنا مثل هذا المنجز "ولست في وارد معالجة قضية المصالحة الوطنية" الذي قيل عنه انه يتجاوز الماضي ويعزز الوحدة الوطنية، ويتخذ في الوقت ذاته موقفاً اقل ما يمكن أن يقال عنه انه استهداف، بطريقة ما لحزب لم يوفر وسيلة أو موقفاً يرى فيه دعماً للعملية السياسية، ودعماً للنظام الديمقراطي إلا واستخدمها.
من يصدق أنهم يعملون لانجاز مصالحة وطنية تعيد اللحمة للمجتمع العراقي؟
ومن يصدق أنهم جادون في استكمال بناء عراقٍ ديمقراطي مدني موحد؟
أنا أريد أن اصدق.