TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الافتتاحية:متاهات المصالحة واجتثاث البعث...!

الافتتاحية:متاهات المصالحة واجتثاث البعث...!

نشر في: 25 إبريل, 2011: 07:34 م

فخري كريم

(4)

إن أحد العوامل التي كانت وراء رسم خارطة طريق خاطئة لعراق ما بعد ٩نيسان ٢٠٠٣ هي حالة الاغتراب عن الواقع العراقي

وما استجد فيه خلال العقدين الأخيرين من حكم صدام حسين وانفراده بالسلطة، الذي عانت منه قوى المعارضة ، بسبب القطيعة الميدانية، وشح المعلومات المحكومة بستار حديدي، وبالتالي عدم دقة وموضوعية المعطيات التحليلية للمجتمع العراقي، باستثناء ما يعكس ويدلل على الطابع الفاشي للحكم والأساليب المستخدمة في إدارة الحكم ،

 وهذا بحد ذاته لا يساعد على توفير المادة المطلوبة للبحث في عمق الظاهرات الاجتماعية والاقتصادية وما ينتج عنها من تراكيب وقيم وعادات ومواقف تدخل في تكوين المشهد العراقي الجديد بتغيراته وتطوراته تحت سلطة الدكتاتورية.. فيما كانت هناك حاجة ملحة تتطلب معالجة ورؤية إستراتيجية لمواجهة النظام الدكتاتوري ، أو تبعاته بعد انهياره، وكل هذا يتطلب معلومات ومعطيات وتحليلات دقيقة وأمينة في فهمها الحال الاجتماعي وتطورات الرأي العام وأساليب تكيف المجتمع وتحصين نفسه، قدر ما يستطيع ضد آلة الدكتاتورية، وكذلك فهم تركيبة القوى الساندة والمرتبطة بالنظام، أمنيا وعسكريا وعقائديا .

إن القوى التي انتقلت من المنفى إلى السلطة لم تكن هي الأخرى،  وليس إدارة الاحتلال فقط، على بينة وتصور واقعي، من التغيرات البنيوية التي كانت قد طرأت على المجتمع العراقي خلال عقدين غابت فيهما تلك القوى عن المحيط الاجتماعي الوطني، وهي تغيرات، أدت إلى انقلابات في كل ميادين الحياة والحكم ومصائر الطبقات وشرائحها المختلفة، وأثرت على أمزجة الناس واهتماماتهم وتوجهاتهم ومواقفهم الحياتية، مقابل ما عاشته تلك القوى، فهي نفسها عاشت حالات اغتراب عن بعضها البعض ، وبما أدى إلى تشكل منظومات غير مألوفة من السلوك والتعاملات البينية، وظهور أنماط من العلاقات المتنافرة مع ما كان سائداً ، حتى ذلك الحين . كما أن هذه القوى التي لم تجرب الحكم وظلت في حالة ملاحقة ونفي وهجرة قسرية ، لم تنتبه لحظة عودتها بعد سقوط النظام الدكتاتوري، إلى أنها ليست صاحبة القرار، وان الإدارة الأميركية، وقد فرضت الاحتلال على العراق، سوف تسعى من جانبها إلى وضع ترتيباتها هي، وسوف تأخذ بالاعتبار آراء الآخرين قدر تجاوبها مع متطلبات توجهاتها الإستراتيجية، وليس لأي اعتبار آخر .

ومن بين تلك التوجهات الأميركية إبداء أقصى الاهتمام، بالتقليل من خسائرها، في الميدان العسكري  وخلق الظرف الذي يتيح لها وضع الترتيبات المستقبلية لحماية مصالحها ونفوذها في العراق.. ومن خلال ذلك  تأمين المجال الحيوي المتاح لها في المنطقة . وهذا قد يفرض عليها خيارات يمكن أن تلتقي أو تتعارض مع ما تراه الأطراف العراقية وبرامجها المعدة في مرحلة ما قبل عودتها إلى البلاد . ومن بين الأدوات التي اعتمدتها إدارة الاحتلال وفاجأت بها أغلبية العراقيين، سعيها لخلق ركائز لها بين عناصر وأزلام النظام السابق، وفتح مجسات وخيوط اتصال واسعة سرية مباشرة أو غير مباشرة عبر وسطاء عراقيين ممن كانوا على هامش المعارضة، أو من خلال ما اوحت أنها علاقات قديمة بهذه العناصر في اطر الجهد المخابراتي لها مع الدوائر الواسعة حول الحكم، وكذلك بالاعتماد على تزكية حلفائها العرب والإقليميين في المنطقة.ولم ينتبه رجالات السلطة الجديدة ، إلى ما ستبديه الولايات المتحدة ، من اهتمام استثنائي بحلفائها التقليديين في المنطقة ومراعاة حساسياتهم من الوضع الناشئ في العراق المتعارض مع طبيعة أنظمتهم الشمولية المعادية للديمقراطية من جانب، والمتعارض  " مذهبيا " مع معتقداتهم من جانب آخر..لم تكن في الحسبان تلك التجاذبات وما يمكن أن تفرضه من تعقيدات للنظام " شبه الديمقراطي " الجديد في العراق والذي واجه انهياراً كاملاً في أركان الدولة وركائزها الأساسية ، وتدميراً في بنيتها التحتية ، وفي مؤسساتها الدفاعية والأمنية.ولان القيادات العراقية الآتية من الخارج ، لم تكن على دراية بما سيؤول إليه الوضع، بعد سقوط الدكتاتورية، وأين يكون موقعها من مركز القرار، كما أنها لم تفترض لجوء الولايات المتحدة إلى فرض الاحتلال على العراق ، واخذ زمام الأمور بيدها ، فقد غلب الحماس على عناصر عديدة منها، ممن خططت واعتمدت سياسات " راديكالية " في مواجهة ما تفرزه الأوضاع التي تعقب سقوط النظام الدكتاتوري  وكل ما له علاقة بحزب البعث ومخلفاته والأسس التي قامت عليها " دولته " ، متوهمين بأنهم سيعيدون بناء دولة جديدة لا علاقة لها بالدولة القديمة وبخرائبها ومخلفاتها وعناصر تكوينها..لكن سرعان ما فاجأهم قرار الإدارة الأميركية بفرض الاحتلال على البلاد وإطلاق يد بريمر في التحكم بمساراتها . ومع كل ذلك فان ضعف تقديرات القيادات العراقية وعجزها عن استشراف ما سيترتب على الوضع من توجهات في ظل الاحتلال وإدارته ، جعلها تتعامل بردود أفعال مع النهج الذي بدأ بتطبيقه بول بريمر ومع القرارات والقوانين التي شرعها ، دون أن تستطيع تغييرها أو إلغاءها، بسبب السلطات المطلقة الممنوحة له وتفويض مجلس الأمن بقراره المرقم١٤٨٣ في ٢٢/ ٥ / ٢٠٠٣ الذي اعتبر العراق بموجبه بلداً محتلاً .

إن غربة المعارضة عن الواقع الجديد المتكون خلال  العقود التي انفرد فيها صدام في التسلط على البلاد ، ليست تهمة توجه لقواها، لان النظام شبه الفاشي فرض على قياداتها وكوادرها الهجرة القسرية إلى الخارج، وأحاط من بقي منها بجو يقيد حركتها ويحد من أي نشاط يمكن أن يجعلها قريبة من النبض الحقيقي للمجتمع.

وفي كل الأحوال فان التطورات المتسارعة التي حلت بالعراق ، طوال عقدين وبضع سنوات ، منذ اندلاع الحرب العراقية الإيرانية ، فككت نسيجه الاجتماعي ، وأعادت بناءه من وحدات شديدة التنافر والتناقض ، وغيرت من توصيفات الفئات المكونة له وأحلت فئات وشرائح وطبقات في أماكن غيرها ، وشكلت من خليطها أنماطا اجتماعية هجينة . كل هذه التغيرات جرت في جو من الهزائم والنكبات والويلات التي تعرض لها العراقيون دون استثناء ، سوى العائلة الحاكمة والطغمة المحيطة بها ، وكانت المعارضة في عزلة عن تجلياتها التي لم تكن تظهر في واجهة المشهد السياسي العراقي ، وفي هذا يكمن أيضا عدم دقة التقديرات التي بنيت عليها مفاهيم إعادة بناء الدولة ، ومعالجة القضايا العقدية التي طرحت على بساط البحث ، خلافاً لما تقرر بشأنها في مؤتمرات ولقاءات قوى المعارضة في المنفى وفي مؤتمرات صلاح الدين .

 لقد جرى التخلي عن التزامات سبق أن قطعتها قوى ، وأعيد النظر في مواقف وتوجهات كانت موضع إجماع بالنسبة لأطراف رئيسة في المعارضة الوطنية، من قبل أن يجف الحبر على وثائقها بعد. وأعادت التوازنات الجديدة ، صياغة مواقف واصطفافات . واستحكمت الصراعات والتباينات والتجاذبات في وجهات النظر على الحراك السياسي ، على حساب التوقف عند الجديد الذي افرزه المجتمع ، وما برز من قوى  وتبلور مصالح ونزعات ،كانت مغيبة وغير معروفة للوطنيين القادمين من الخارج . فقد فوجئوا لحظة انتقالهم إلى بغداد بمشهد يضم خليطاً من (قيادات وتكوينات) عشائرية ومناطقية ومدنية لم تكن لهم أية دراية بطبيعة تفكيرها وتوجهاتها وأهدافها، ومعها برزت تكتلات سياسية طائفية وعرقية ، تتصدر المشهد وتدعي أحقيتها في تمثيل الوضع الجديد ، موجهة الاتهام " للقادمين من الخارج " بوصفهم غرباء ومختطفين .!

وفي جو الحراك هذا والانفلات والفراغ وغياب مؤسسات الدولة ، جرى صِدامٌ خفي بين الأحزاب والتكتلات الدينية ، " لتقاسم " المغانم البشرية بضم بعض منتسبي فدائيي صدام وجيش القدس ومنتسبي الجيش والقوات المسلحة والموظفين في مختلف مفاصل الدولة إليها عبر حملة غفرانية سُميّتً " بالتوبة " وأطلق على المشمولين بها تسمية " التوابين .! وهكذا ضاعت آثار مئات الآلاف من قواعد البعث ومن كوادره وأنصاره ومريديه في صفوف الأحزاب والحركات الإسلامية ،  كلٍ حسب انتمائه المذهبي . وبين عشية وضحاها ازدادت معدلات الملتحين والذين في جباههم سيماء التديّن والورع والتقوى ، وجرى تنسيب الآلاف منهم  إلى سلك الشرطة والجيش والدوائر الحكومية الناشئة وفي سائر الميادين السياسية والاجتماعية، وأعيد تأهيل كوادر منهم لوضعهم في القيادات الحزبية والحركية التي غطت شوارع وميادين البلاد بالمظاهرات والفعاليات السياسية والدينية . ومن حالفه الحظ من غير التوابين التحق بمكاتب بريمر وانشغل في أحد ميادين نشاطاته الكثيرة، وتخلص من عبء التوبة ومتطلباتها . لقد صدر قانون " اجتثاث البعث " و " حل الجيش " في هذه البيئة المحفزة التي شهدت عملية خلط للأوراق لم يسبق لها مثيل ، حيث استطاع عشرات الآلاف من أنصار النظام السابق حتى اللحظة الأخيرة من سقوطه ، تغيير " جلودهم " والتكيّف مع ما يتلاءم مع الوضع الجديد ، فاستبدلوا هويات فدائيي صدام وجيش القدس والحرس الجمهوري وأجهزة الأمن والمخابرات وعضوية حزب البعث وتنظيماته المهنية والنقابية بهويات جديدة للأحزاب والحركات الإسلامية الصاعدة، وأصبح كثرة منهم  كوادر مؤسسة ورموزا مؤثرة لبعضها،وحظي بعض منهم بأبرز المراكز المقررة للمكونات والطوائف ، واحتلوا وزارات ومواقع لا يعلى عليها.وصادف صدور القانون والقرار، انتقال جميع قادة البعث ورؤوس النظام ممن كانوا يتحملون المسؤولية الأولى عن كل ما قام به النظام المنهار من جرائم واستباحات إلى خارج العراق ، بتسهيلات لوجستية من قبل المراكز القيادية للجيش الأميركي ومن مكاتب مساعدي الحاكم المدني بول بريمر . وتحصن القسم الآخر في مناطق محمية ، تحولت في ما بعد إلى مراكز ومقرات وطرق مواصلات واتصالات للقاعدة وللمسلحين والميليشيات المعادية للوضع الجديد القادم فيما سمٌي بهتاناً بـ" المقاومة " . واتخذت جميع هذه الميليشيات المسلحة قواعد خلفية لها في دول الجوار ، للتدريب والتسليح والتسلل وتنظيم الاتصالات .

واقترن قرار حل الجيش العراقي بعدم وجود أي أثر للجيش ، فقد أخليت المعسكرات والقواعد العسكرية العراقية من أي اثر لضابط أو جندي ، وكان بالإمكان مشاهدة أرتال من الدبابات والعتاد والناقلات والعدد العسكرية على امتداد الطرقات وتحت الجسور ، وبين  البيوت السكنية وفي الأقبية والمخازن التجارية ، حيث تركها الضباط والجنود وغادروا مواقعها إلى أهاليهم ، لا جبناً كما أشاع البعض ، وإنما تعبيرا عن موقف مضاد للنظام وقيادته . وجاء قرار الحل بما يشبه تنفيذ حكم الإعدام بـ " ميت " .! ولو انتبه قادة العراق الجدد آنذاك ، لوجهوا نداءً مفعماً بالوطنية لجميع منتسبي الجيش والقوات المسلحة ، جنوداً وضباطاً وضباط صف ،  من كل المراتب من أجل العودة إلى قطعاتهم منزوعي السلاح من باب الاحتياط والحذر والانخراط في الدفاع عن العراق الجديد ! ولو فعلوا ذلك لما كنا اليوم نشعر وكأننا نبحث في متاهة ، عمن هو موالٍ للنظام الجديد ومن هو مندس لصالح الشياطين والعفاريت ! . وقد أدى قرار حل الجيش إلى انخراط المئات من العسكريين إلى صفوف المسلحين والميليشيات ، ولم يكن ذلك قدراً محتوماً ، كما أدى قانون اجتثاث البعث ، وكان من المنطقي أن يسمى " قانون اجتثاث الاستبداد "  وهو اصطلاح يحقق الغرض المنشود بفعالية ، إلى ضياع فرصة عزل قيادة البعث المسؤولة عن الجرائم ، وكسب القاعدة الاجتماعية الواسعة التي انتمت إليه على كراهة منها أو بسبب القسر والضرورة دون قناعة وإيمان ، والأغلبية منهم كانوا يتعاطفون مع التغيير وان لم يعلنوا ذلك لأسباب لا تخفى . ليس هذا فحسب بل أن هذا القرار قاد إلى نتيجة عكسية ، إذ أشاع مناخ شكوكية وحذر بين أوساط هذه القاعدة العريضة ، وعّرض الكثرة منهم إلى الملاحقة والإضرار بمصالحهم واجتثاث العديد منهم ، مع أنهم اختاروا البقاء داخل البلاد والسعي للتفاعل مع الوضع الجديد ، كتعبير رمزي واضح عن رفض انحيازهم إلى دعاة الصدامية الجدد  ممن اختاروا دول الجوار محل إقامة ونشاط  لهم .  من طرف آخر سعى القادة العراقيون، وقد ووجهوا بتوسع النشاط الإرهابي في أنحاء العراق ، مدفوعين بطلب ورغبة من الأميركيين وتدبير منهم إلى الحوار مع القتلة والمجرمين في إطار ما سمي مذ ذاك   بالمصالحة الوطنية ، في حين كان عليهم أن يبحثوا عن الوسائل التي تعيد إلى صف العراق الجديد تلك القوى المعنية حقاً بالمصالحة ، من القواعد الاجتماعية التي افترضوا فيها " عدواً " وهمياً ، وهم كانوا في واقع الحال حليفاً موضوعياً .. لكن وداخل أوساط تلك القاعدة الاجتماعية كانت المصالحة الحقيقية تتحقق ، وبها كان يتوفر للعراق والعراقيين السنوات التي ضاعت منهم جميعاً .

وعلى قاعدة الجمع بين عناصر النظام القديم والنظام الجديد سارت عملية إعادة بناء العراق في وجهة عكستها مظاهر رافقت التمهيد لشن الحرب وظهرت ملامحها في خارطة الطريق التي وضعها خبراء الإدارة الأميركية لإدارة  العراق وفقاً لمساراتها . وعلّمت مناطقها الجغرافية الطائفية والعرقية  في خطوط بارزة باللون الأحمر القاني ، مثل المنطقة الغربية السنية والمناطق الجنوبية الشيعية  والشمالية الكردية والبلوكات التركمانية والمسيحية . والتي ظلت بعض وسائل الإعلام تتعامل مع ما يجري في البلاد وردود الأفعال عليها وفقاً لهذه الخارطة الطائفية والمناطقية .

ومن خلال تدابيرها الإجرائية تبين أن قوات الاحتلال ودائرة الحاكم المدني قد برأت ضمنياً كل المسؤولين عن جرائم النظام السابق سوى من وردت صورهم وأسماؤهم في " كوتشينة " الجيش الأميركي .

 وكان واضحاً أن طاقم السفارة الأميركية وبالتعاون مع بعض موظفي الأمم المتحدة تجري اتصالات مكثفة مع بعثيين وأنصار كبار للنظام السابق وتسعى لانخراطهم في العملية السياسية والمشاركة في الحكومة ، دون أن تأخذ بالاعتبار أدوارهم القديمة أو تعاطفهم المستمر مع الماضي ، أو موقفهم من الصيغة الجديدة للعراق وتركيبته . وما كان يشغل بالهم بالدرجة الرئيسية ، هو إحراز النجاح في الانحياز إلى مخططاتهم بإيجاد مراكز قوى متعددة تمنحهم حرية المناورة في إطار نهجهم الاستراتيجي ويساعد على خلق ميزان قوى يسمح لهم بإمرار ما يرونه مستجيباً لمصالحهم وتوجهاتهم ،  دون اهتمام بما يعتقده العراقيون ، أو ما يرون فيه تعبيراً عن المصالح الوطنية العليا للعراق وللشعب العراقي .

لكن هذا التوجه الأميركي المبكر عكس التناقض والتخبط في السياسة الأميركية في العراق، فقد اصطدم من جانب  بقانون اجتثاث البعث  ومن الجانب الآخر بقرار حل الجيش ، وكان لكل من القرارين عواقب وخيمة على الوضع الجديد، لا تزال تأثيراتهما السلبية تتفاعل وتنعكس تعثراً وتخبطاً في سير العملية السياسية وفي إدارة الدولة والحكومة والعلاقات بين القوى السياسية .

وإذا كان المقصود من القرارين المذكورين ، عزل البعثيين وقادة الجيش والقوات المسلحة ، والحيلولة دون مشاركتهم في الحياة السياسية ومنعهم من تسنم أي مركز قيادي ، فان بريمر ومعاونيه استخدموا عناصر بعثية يشملها الاجتثاث في مختلف مفاصل الدولة "المخربة " ومجالاتها الحيوية ممن ابدوا الاستعداد للتعاون مع إدارته المباشرة . وان دل هذا على التخبط والجهل ، فهذا صحيح أكدته وقائع كثيرة وممارسات متناقضة كشفت في كل مرة عن تقاطعات بين دوائر اتخاذ القرار الأميركي ، وعن تضارب وضعف وعزلة لأدواته المعلوماتية والمخابراتية ، لكنه كان يعكس في ذات الوقت توجهاً سياسياً مطلوباً لخارطة الطريق في العراق ، دفع العراقيون فواتيره ، ومازالوا حتى يومنا هذا .

فهل انتبه قادة الكتل الذين ساهموا في تركيب المشهد العراقي منذ ولاية بريمر ومجلس الحكم ، مروراً بكل الخيبات التي خيمت على العراق إلى مكامن الخطأ .. ، وأدركوا عظم المسؤولية التي يتحملونها عن النتائج الكارثية التي سبّبوها للشعب العراقي ، عن دراية مقصودة لاعتبارات رأوا فيها مصلحة لهم .. لجهالة  أو عدم وعي ؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram