TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الافتتاحية:الدولةالمنسية وثلاثية الفساد والإرهاب والطائفية: مظاهرالتبعيث،..النجيفي نموذجا

الافتتاحية:الدولةالمنسية وثلاثية الفساد والإرهاب والطائفية: مظاهرالتبعيث،..النجيفي نموذجا

نشر في: 28 إبريل, 2011: 07:37 م

فخري كريم

(7)

اهتم المشرفون على تطبيق قانون " اجتثاث البعث " بإقصاء أعضاء الفرق وما فوق من البعثيين عن ممارسة العمل السياسي او تسنم مواقع قيادية في الدولة،

مفترضين بذلك أنهم يحمون المجتمع والدولة من أخطر أدران البعث ويعاقبونهم على جرائم النظام الدكتاتوري وحماقات قياداته.

لقد وضع هؤلاء المشرعون وبعدهم المنفذون مقاييس ثابتة ومشوا عليه، ناسين ان الوقائع ليست مقاييس..وأن الحياة السياسية في مجتمعات محكومة بالدكتاتورية تحتمل الكثير من المفارقات التي لا يفيد معها المقاييس الثابتة.. مثلا قد تصادف بشرا غير منضمين للبعث لكن من الممكن أن تعدهم أكثر خدمة للبعث وصدام من آخرين هم في مواقع ربما رفيعة داخل البعث.. وقد علمتنا السنوات أن رجالا كثيرين غادروا موقع السلطة إلى المعارضة حين توفرت لهم فرص التحرر من الدكتاتورية..ويقابل هؤلاء آخرون قضوا حياتهم في المعارضة وكانوا رقباء عليها جواسيس للسلطة وكانوا أكثر إجراما من أشرس مجرمي صدام.

لقد اغفل المنفذون للقانون الميادين والمحاور السياسية والثقافية والأكاديمية والإعلامية والمنظمات المهنية والنقابية، التي يعبث فيها ورثة النظام الفاشي، ويتحركون في ميادينها بحرية لا تتسنى لمن كرسوا حياتهم ضد البعث وسلطته الغاشمة، وكأن هذه الميادين نقية ولا يوجد فيها من يشكلون خطراً على السلامة العامة ولا يخلقون بؤراً للترويج لأفكار البعث الفاشية ولقيمه وإيديولوجيته التي حرّم الدستور التبشير بها . ولا يجوز النظر الى هذه التطبيقات باعتبارها سهواً من المشُرّع او تلكؤاً وسوء تقديرٍ من القيّمين على متابعة تطبيق تعليمات القانون، لان تحريم حزب البعث من العمل السياسي الذي نص عليه الدستور النافذ لم يستند الى حيثياتٍ تنظيمية او مخالفات إجرائية، وانما استند الى كامل نهج البعث وإيديولوجيته وتاريخه وقيمه وأساليب حكمه وكامل نهجه السياسي وارثه الإجرامي منذ انقلابه الفاشي في ٨ شباط عام ١٩٦٣ وحتى اللحظات الأخيرة من حكمه المباد .

إن هذا التطبيق لقانون بريمر الذي ما زال يتصف بالطابع الانتقائي والكيفي، ولا يسلم أحيانا من الدوافع الانتقامية السياسية والمذهبية ، يعكس شكلانية المقارنة والاستنساخ الذي اعتمده المشرّع للقانون مع الظروف التاريخية والأوضاع السياسية التي كانت عليها كل من ألمانيا النازية وايطاليا الفاشية بعد الحرب العالمية الثانية، واقتضت تشريع قانون " إزالة النازية " كما أن الكوتشينة الأميركية او " دستة ورق اللعب " التي حملت صور المطلوبين من قادة البعث ونظامه هي الأخرى استُنْسِخَت لتُحاكي النموذج " الفاشي-النازي " .

إن إقصاء حامل " مشروع او قضية او إيديولوجية " لا يشكل عقبة أمام المضي في العمل والنشاط، السري أو العلني، بإمكانيات بسيطة أو بقدرات فائقة، بنشر الدعاوى بين الناس والتعبئة الجماهيرية لها او بالانقلابات العسكرية والثورات الشعبية. كما أن "الاغتيال " و " أخذ البراءة " لن يكونا معالجة او مواجهة للإيديولوجيات والقضايا الفكرية والسياسية والدينية والمذهبية والقومية، وكل ما له بالعقيدة والإيمان والحرية الإنسانية. وما فعله بريمر وما قام به منفذو قانون الاجتثاث منذ صدوره حتى اليوم لم يخرج عن هذا السياق، ولم ينتج عنه سوى المزيد من التعقيدات والمزايدات التي أثارت ضجيجاً عاصفاً ، لينتهي في كل مرة الى خطوة جديدة باتجاه (تزكية) البعث والالتفاف على ما ينبغي اتخاذه من إجراءات صحيحة وناجحة لتصفية مظاهر التبعيث التي لم يجرِ التصدي لها او رسم الخطوات الملموسة لمواجهتها، وهي خطوات تتطلب نفي الدواعي الفكرية والسياسية والإيديولوجية والعقيدة الانقلابية والعادات وأساليب العمل في الدولة والتشوهات في الحياة الاجتماعية ومظاهر التفسخ القيمي التي أشاعها البعث عبر ذلك كله في المجتمع والدولة . إن هذه المنظومة المتكاملة من النشاط السياسي والفكري لم تغب عن بال واهتمام ملوك وأمراء الطوائف وحكام العراق الجدد، بل أن أحدا منهم لم يلتفت حتى الى إصدار " كتاب اسود " عن تاريخ نظام البعث وجرائمه ، ولم يوعز لشبكة إعلام الدولة ووسائلها الإعلامية بإنتاج أفلام وثائقية وبرامج تُظهر بشاعاته وانتهاكاته وجرائمه وإباداته الجماعية التي حوكمت عليها الفاشية والنازية في المحكمة الجنائية الدولية، وكان ممكناً وضع ملف جرائم البعث ونظامه أمام المعنيين بالمحكمة المذكورة  لتجريمه كما الفاشية وفضحه دولياً على أوسع نطاق، وبما يشكل رادعاً أخلاقيا ومعنوياً للذين مازالوا يتشبثون بحمل رسالته المهلهلة الرثة ، عن قناعة أو جهل بطبيعة الحزب الفاشية وتاريخه الإجرامي. وهذا التجاهل او الإهمال شجع البعض إن، لم يكن كثرة ممن يحتلون مواقع مفصلية في الحكم والكراسي الوثيرة في البرلمان ومراكز مهيمنة في الصحافة ووسائل الإعلام، على الحديث علناً عن " المآثر الوطنية " لصدام حسين والنظام الفاشي والتجرؤ على رجم الوطنيين والديمقراطيين المعارضين له بالخيانة .!

إن المواطنة كقيمة اجتماعية وفرادة أخلاقية ، كانت أول ضحية لنهج التبعيث ، وتبعتها الدولة التي فقدت استقلاليتها النسبية بداية ثم تحولت الى كيان وحداني اندمج فيه الحزب والسلطة لتنتهي الدولة بعناصرها الثلاثة الى تعبيرٍ مطلق عن الدكتاتور وتتوحد فيه .

وفي لحظة التوحد الكارثية، تراجعت كل العناصر المعبرة عن الحياة المدنية ورموزها ، وفقد العراق بذلك كل توصيف له ، وأي علامات فاصلة بين سلطاته الثلاث او تجلياته الاجتماعية التي اندمجت وتوحدت في الوحدانية المطلقة للطاغية . ومنذ تحقق ذلك أصبحت القيم والمبادئ والآمال والأهداف لا قيمة لها إلا بمقدار ما تعكس او تعبر عن كينونة القائد الضرورة ونواياه ومتطلباته . ولهذا كان خلافاً للمنطق أن تسقط سلطة البعث او قائده دون أن تتداعى وتسقط كل أركان الدولة و" الوطن " الذي أصبح كل منها كياناً متداخلاً غير قابل للتجزئة عن الكيان "الحاضن" بعد أن وحدها صدام بـ " ذاته وإرادته " وأخضعها لنزواته ومشيئته المطلقة . ولا غرابة في أن الشركاء في وليمة الحكم ما بعد صدام لم يتعرضوا للتبعيث في جانبيه هذين ، إذ اختفت المواطنة في طيّات الطوائف واختفت مظاهرها بحكم المصاهرة مع كل التكوينات الملفقة الطارئة في الحياة السياسية والاجتماعية 

وذابت عناصرها في كينونات تدمر النسيج الاجتماعي وتفكك الهوية الوطنية وتحولها من " تنوع خلاق في إطار وحدة إنسانية " الى تنوعات فرعية مشوهة ، وكذلك حولت بقايا الدولة الى مستعمرات وكانتونات طائفية " حزبية " وجردتها من كينونتها وحالت دون إعادة استقلاليتها النسبية ، وهو ما سيعيق إعادة بنائها كدولة مؤسسات وحريات ومواطنة حرة .

وإذا ما شخصنا جوانب أخرى من عمليات التبعيث فان من السهل التوقف عند مظاهر عسكرة الدولة والمجتمع من خلال تجنيد مئات الآلاف في الجيش والشرطة والأجهزة المخابراتية التي تؤدي في واقع الحال مهام " خدمية " للحماية ، وهو ما يشكل إضعافاً لما يراد له أن يتكرس كعقيدة قتالية دفاعية ، وكتوجه تربوي لتجاوز ظاهرة تكريس المرجعية الفردية كهدف للحماية والخدمة الفعلية للعسكري الذي يفترض تربيته على قيم الدفاع عن الوطن والدولة والمصالح العليا للشعب . إن مظاهر التبعيث للدولة بقيت كما كانت عليه ، فإذا استثنينا الكوادر العليا القديمة، فان الموظفين الآخرين ظلوا في سلك الدولة ، وتقدموا في مراكزها وفقا للإنحيازات الطائفية والولاءات الحزبية ، وليس المطلوب إقصاؤهم ، لكن كثيرا منهم  ظلوا على نفس العادات والتقاليد والكيفيات التي تشبعوا بها في سلطة البعث ونهج التبعيث، غير أنهم كيفوها وفقاً للترتيبات المستجدة في ظل نظام المحاصصة ، ويدفع المواطنون تبعاتها إذ يصطدمون بالكادر الوظيفي القديم الذي سامهم وبنفس العقليات وأساليب التعامل .

وبدلاً من التنظيمات العسكرية " الشعبية " تسللت الى الحياة السياسية الميليشيات المسلحة الطائفية، في مواجهة الدولة وفوق سلطتها. وخطورتها لا تتمثل في تحفيز المكونات المرتابة بعضها من بعض ، بل أنها ترمز بقوة كامنة الى تحدٍ للدولة وإعاقة لاستكمال بنائها على أسس ديمقراطية مدنية عادلة. وهي تشكل في ذات الوقت تهديداً للعملية السياسية وأداة ترويع للمواطنين وتحديداً للحريات على قياس معتقدات الميليشيات وأهدافها ، وخاصة لجهة تلك التي تنطلق ، وان باطلاً من أرضيات دينية ومذهبية . كما أن وجود الميليشيات بغض النظر عما تعلنه من نوايا وأهداف، لا يشكل تهديداً للدولة حسب بل أيضا إمكانية لإثارة صراعات ومعارك بين الطائفة الواحدة على السلة ومغانمها ، وأداة لحسم الصراع السياسي بوسيلة السلاح وقوة نفوذه .

أما مظاهر التبعيث في الجامعات ومعاهد التعليم والصحافة ووسائل الإعلام والمنظمات المهنية والنقابية وغيرها، فإنها حافظت على " قيافتها " السابقة ، وظل سدنتها من المروجين لفكر القائد المؤمن الضرورة، ولمجد عدي والبعث، في مختلف مواقع هذه الميادين التي تشكل خطراً داهماً ، ودافعاً فعالاً لاستمرار نهج البعث والتبعيث والقيم التي كرست طوال عقود في الوعي الاجتماعي وخلقت أنماطا من السلوكيات التي لا يجمعها جامعٌ بالديمقراطية ومبادئها وبالقيم الإنسانية السامية. إن نظرة ثاقبة الى بعض أساتذة الإعلام والمناهج التي واصلوا اعتمادها ستكشف عن فضائح صدامية بامتياز ،. يكفي تسليط الضوء على أن من بين الأساتذة الذين يتولون تعليم جيل الحقبة الديمقراطية المفترضة ، هم ممن يجاهرون  بالأمثلة والتوصيات والتصريحات عن انحيازهم للنظام الفاشي وأفكاره دون خشية او وجل . والصحافة التي يشار إليها بوصفها السلطة الرابعة ومرآة المجتمع يتربع على عرشها الذي بات خرابة لا تليق إلا بمن هو مثله ، عضو فرقة شبه أمي، لا علاقة له بالصحافة ، وذلك بدعم من ملوك وأمراء الطوائف الذين تنافسوا عليه ، ورفضوا إجراء أي جرد لنقابة الصحفيين التي أقحم نقيبها مئات العناصر التي لا علاقة لها بالعمل الصحفي والسابلة الأميين في عضويتها ، في حين اتخذت الحكومة إجراءات تأديبية بحق نقابات مهمة وكبيرة . وفي هذه الظاهرة الخطيرة ، التجلي الأبرز لتقاسم أحزاب وحركات الطوائف الحاكمة أسلاب وبقايا نظام البعث وفقا للانتماءات الطائفية ، وحتى وان لم يتأكد الولاء السياسي .

إن تجاوز " الاجتثاث " على أساس التخلي الظاهري عن الماضي البعثي بات تقليداً معمولاً به ، وتزدهر بضاعته تبعاً للصراع بين القوى على التوازنات القائمة وضرورات الكسب حتى

"غير المشروع " في مثل هذه الحالة لاستدراج الولاءات، وفي هذا السياق نعثر على قادة نقابات ومنظمات مجتمع مدني وساسة وكتاب وصحفيين ومثقفين وتبعيات أخرى مستعدين بالميل بولاءاتهم حسب الظروف والطلب، ولكن الغريب أن الحكومة والأحزاب الحاكمة لا تلتفت إطلاقا الى الخروقات والتجاوزات الخطيرة على الدستور والقوانين، ولا تبدي انتباها، وان كان كسولا وعلى استحياء، الى أي مظهر مهما كبر من ظاهر الفساد الإداري والمالي ، ولم تعد تسمع او تولي الاهتمام بكل الوقائع التي تساق على هذا الصعيد وغيره من الأصعدة المتميزة بالعواقب الوخيمة على الدولة ومستقبل العملية الديمقراطية المتعثرة .

قبل أيام اطل على شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام بطل من ذاك الزمان ، يخوض في وحول الموصل الحدباء في مظاهرة صاخبة ، يستبان من شعاراتها وهتافاتها من أي منبع تستقيها وعلى أي وتر سياسي تنغّم نوتاتها وألحانها . والملفت أن أثيل النجيفي محافظ الموصل الذي اقسم على الحفاظ على سلامة العراق والالتزام بدستوره وقوانينه ، ويستمد القوة من شقيقه النجيفي الآخر أسامة رئيس البرلمان المعني بحكم وظيفته بمتابعة ما يجري في أنحاء العراق من تجاوزات وانتهاكات لحرمات البلاد ودستوره وقرارات مجلس النواب الذي يترأسه ، أن هذا الأثيل يعلن أمام جمهوره المتظاهر عن الزحف على بغداد لتحريره من "الاحتلال " والعملاء الذين يحكمون البلاد بإرادته ، وسيناضل لخلاص العراق من هذا الحكم ، وهتف بسقوط النظام ! . حتى هنا يمكن أن يقال إن الديمقراطية ليست حكراً على الجمهور والمواطنين، فان من حق الحكام والوزراء والمحافظين ان يجيشوا القوات ويحرضوا على التظاهر ويستعرضوا عضلاتهم فيها ضد الآخرين من الحكام أو الأحزاب الحاكمة او الكتل البرلمانية ، كما أن من حقهم أن يسافروا الى البلدان المجاورة ويقدموا البيانات والوقائع على فساد السلطة والدولة والأحزاب، كمخلّصين ورجال دولة ، ويقبضوا ماهياتهم والمساعدات السخية لتجمعاتهم . ولكن أثيل النجيفي يهتف بالعمل على إسقاط " النظام " " في بغداد ، وليس " الحكومة " طبعا ولا رئيس الحكومة او مجلس النواب ، وهو يفعل ذلك في تظاهرة وتحت علم البعث ! .. ألا يشكل هذا لوحده جرماً يجب عليه محاكمة المحافظ الذي يحنث بالقسم ، وحرمة العلم وان كان مؤقتاً جزء يتضمنه القسم ..؟ والنجيفي الشقيق ، يهدد العراقيين بالموصل ، وكأنها ليست حاضرة عراقية أصيلة وسكانها مواطنون عراقيون مخلصون لوطنهم . او ربما يستعيد في وعيه المغيب عن الزمن الحاضر إمكانية تحقيق حلم جده ، وعميد أسرته الذي صوت في العشرينيات من القرن الماضي الى جانب ضم ولاية الموصل الى تركيا .!؟

وفي الدولة المهمشة بصراعات وتقاسم السلطة والمغانم مظاهر وتجليات عن استمرار التبعيث وأحكامه وقيمه ، لكن سوقها والتدليل عليها لا جدوى ولا تأثير لها في ظل الأوضاع الراهنة التي يضيع فيها المواطن في متاهات فساد الطوائف واستحكاماتها التي لا تخترق

ألا يبادر مواطن شجاع من أهل الموصل الشمّاء برفع دعوى لمقاضاة النجيفي المحافظ على حنثه بالدستور وإيحائه بان الموصل ولاية أخرى يمكن أن تزحف على بغداد وتسقط حكومتها "العميلة " وينصب شقيقه رئيساً مؤقتاً للدولة ريثما يصل هو على رأس أنصاره من بقايا البعث الى بغداد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram