لطفية الدليمي
- 1 -
يستكشف النقد الأدبي في القرن الحادي والعشرين انفجار الأساليب الجديدة التي شهدت نهضة من الناحية النظرية
وأهميتها في الأوساط المؤسسية المتخصصة بالعلوم الإنسانية في يومنا هذا؛ فنجد الدراسات المعنية بـ ( مابعد الانسانية ) و( الفكر العابر للإنسانية ) بعيداً عن أي توجه آيديولوجي مع خفوت موجة مابعد الحداثة النقدية وتراجعها إزاء هيمنة فكر مابعد الإنسانية ، مع ذلك لانعدم وجود تأثيراتها في بعض الدراسات المعاصرة.
يغطي النقد الأدبي في القرن الحادي والعشرين قضايا مختلفة مثل: التاريخ المؤسسي للنظرية الأكاديمية من سبعينيات القرن العشرين وحتى اليوم، القراءة الناقدة ، النظرية والعالم الأوسع وغيرها ، ترى ماهو دورنا وموقفنا من هذه القضايا التي أصبحت في مركز اهتمام الفلاسفة والمفكرين والباحثين في القرن الحادي والعشرين ؟
مازلنا نعيش أسلوب حياة وأعراف ومرجعيات حداثة القرن التاسع عشر والقرن العشرين ونحتكم إلى عصبيات محلية ، برغم أننا نستخدم معطيات الثورة التقنية الثالثة : كومبيوتر وانترنيت ووسائل تواصل مختلفة؛ في الوقت الذي يحدد المعنيون بالثورة التقنية الرابعة العام 2028 للشروع في دخول عصرالانسان البايولوجي المعزز بالتقنية وهو عصر العالم الخاضع تماما للهيمنة التقنية في العام 2045.
- 2 -
أسس النقاد الأجانب فكرهم النقدي واستنتاجاتهم وخلاصاتهم على واقع اجتماعي معين وخبرات تراكمية وموروث ثقافي وفكري مختلف وعايشوا النظريات الفلسفية المتلاحقة في واقع مغاير لواقعنا ، ويأتي بعض المتطفلين على النقد ويتعاملون مع النص المحلي عبر أقيسة ومعايير ليست نتاج وعي اجتماعي وحضاري بواقعنا ؛ بل يعمد معظمهم الى تطبيق نظريات مستهلكة تجاوزها أصحابها إلى سواها ، ثم يلوون عنق النص ليتطابق مع النظرية المستعارة من غير امتلاك أدوات النقد الأساسية لكونهم لايجهدون أنفسهم في إغناء تجربتهم بالاطلاع المتواصل على الأعمال المعاصرة المواكبة للتحولات الفكرية والعلمية المتسارعة في زمننا.
لطالما قرأت لنقاد أجانب وترجمت دراسات ومقالات فلسفية وكتباً فكرية؛ فلم أجد في النصوص أي غموض أو استغلاق ؛ فالناقد لايلجأ إلى استخدام المصطلح بطريقة استعراضية مثلما يحصل في بعض المؤلفات النقدية العربية - إلا فيما ندر- ؛ و يعلن ذلك الناقد المتمرس رؤيته الخاصة و يبتكر أطروحته الشخصية ويفصح عن رأيه واضحاً لامتلاكه الثقة بمنهجه وكشوفاته واستنتاجاته ؛ فأجدني أتواصل مع موضوعته بيسرٍ لسلاسة الأسلوب ووضوح الرؤية وبلوغ القصد بلا التفاف وغموض مفتعل.
- 3 -
منذ عقود وعبر عملي في المجلات الثقافية العراقية وحضوري في المشهد الثقافي ،اطلعت على مقالات ودراسات لبعض النقاد العراقيين والعرب فوجدت الأسلوب المغلق والتعقيد المقصود في العبارات الطويلة وغير المنتهية إلى نقطة محددة ، فضلاً عن غموض صياغة الفكرة مما يعسّرعلى القارئ بلوغ المعنى المقصود؛ فيضيع عندئذٍ وسط فوضى المصطلحات والاقتباسات الطويلة من كتب أجنبية ألصقت قسرا على النص المدروس ، وقد لاحظت أن بعض هواة النقد يستخدم مصطلحات مترجمة وعبارات مقطوعة من سياقها لم يقرأها بلغتها الأصلية وبعضها غير موثوق بصحة ترجمته، لتغدو باستمرار تداولها بين أمثاله قوانين نقدية حاكمة ومرجعاً يستند إليه الآخرون بلا تفكّر أو تمحيص.
يحدث أحيانا أن يتصدى روائي أو روائية لدراسة عمل روائي أوالكتابة عنه ؛ فينجح في ملامسة طبقات النص وإضاءة جوانبه بشفافية إبداعية منفتحة وقدرة نقدية رائية لم تثقلها نظريات ومصطلحات مقحمة ، فيتفوق في تقديم رؤيته النزيهة وهو عن قدرة نقدية بارعة، بينما يخفق بعض مُدّعي النقد في قراءتهم المفتقرة إلى الكشف الجمالي والذائقة القرائية المدربة.