TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: محافظ واسط وحيرة حمورابي

العمود الثامن: محافظ واسط وحيرة حمورابي

نشر في: 21 يوليو, 2019: 09:22 م

 علي حسين

كان المرحوم حمورابي أبا للقانون، حاول قبل ما يقارب الأربعة آلاف عام أن يرشد البشرية الى شيء ينظم حياتهم اطلق عليه الشرائع او القوانين.

لكن المشرع العظيم لم يدر بخلده يوما ان مسلته ستلقى الاحترام في بلاد الغرب، وستحتضنها بلاد "العم" ديغول الزعيم الذي انقذ فرنسا من سطوة هتلر، ووضعها في مصاف الدول العظمى، لكن هذا لم يشفع له من ان يقدم استقالته بعد تظاهرات قام بها الطلبة ضده، فيما بلاد الرافدين التي انجبت حمورابي استبدلت القانون بـ "الكعدة العشائرية " وتصر على ان الديمقراطية تعني ان تضع رجل في الحكم واخرى في الشارع تتظاهر من اجل مزيد من المكاسب والمغانم والمناصب. 

كانت بلاد الرافدين القديمة دولة تعمل، وتشرع القوانين، وتسجل اسمها في سجل الحضارات الخالدة، واصبحت اليوم الدولة الوحيدة التي لا يستطيع فيها القانون ان ينافس العشيرة، والدولة الوحيدة التي بامكان عشيرة ان تطرد شركات النفط ان لم تدفع لها "الخاوة"، كان حمورابي وهو يضع مسلته، يتأمل هذه البلاد يوم كانت مهدا من مهاد القانون والحضارة. فيما اليوم يريد لها البعض ان تتحول الى قبائل ومذاهب وان تبقى من دون شرائع ولا قوانين، لكنها تتمتع والحمد لله بديمقراطيىة تحسدنا عليها شعوب العالم. 

لست من فئة المواطنين الذين ينتظرون ان يصبح القانون بديلا للعرف العشائري، أو ان تنتصر الدولة على الجماعات المسلحة.. لكن لم اكن اتوقع ان تحل قضية محافظ واسط وضابط السيطرة بكعدة عشائرية، ربما سيقول البعض يا رجل الا تفرح ان تُحل المشاكل بهدوء.. نعم يا سادة ولكن من خلال القانون.. أخطأ محافظ واسط في تعديه على مسؤول السيطرة العسكرية.. لكن ضابط السيطرة لا يقل ذنبا عنه وهو يصر على اذلال المواطنين تحت حجة تحقيق الأمن، باساليب تعسفية.. مهينة ومحبطة للمواطن المغلوب على امره.

منذ ان انتشر فديو محافظ واسط وجنابي تحت تأثير الفضول الصحفي الذي يرفض أن يفارقني، تابعت تعليقات كثيرة على هذا الحادث، بالمقابل وجدت صمتا حكوميا على مثل هذه الانتهاكات للقانون، جعلني اتساءل: ما الذي يمنع رئيس الوزراء من أن يحيل الامر الى القضاء، ليعرف المحافظ كيف يتعامل مع الموظف الحكومي ، وليدرك ايضا الموظف الحكومي ان هناك من يحاسبه عندما يصر على اذلال المواطن؟ 

لكن لاننا في هذا الجانب من العالم، وهو جانب يراد له ان يبقى محافظا على "عشائريته"، وان يصبح القانون فيه شيئًا من لا شيء ، وكما قلت، وكتبت مرارًا في هذه الزاوية نحن بصدد نسخةٍ رخيصةٍ ومزيفةٍ من الديمقراطية ، على المستويات كافة، من البرلمان إلى الحكومة ، الى المعارضة التي تريد منا ان نهتف بحياة قادتها في الساحات .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram