ستار كاووش
أنظر حولي كل يوم، وأتأمل ما يحدث على جانبي طريقي، أسافر لمختلف المدن والبلدان والأماكن القصية، أرى كيف يبني الناس بلدانهم
ويضعون أحجاراً جديدة فوق بناءهم القديم ليعلو، وأتطلَّعُ إليهم وهم يمضون بصناعة الجمال والتفاني من أجل الأماكن التي يحبونها، أتمعَّنُ وأنا أُلاحظ كيف تتزين المدن بتيجان النجاح وترتدي ثياب المستقبل وتعيش حاضرها مثل شجيرات يانعة، أرى الجمال يتجول مثل امرأة فاتنة بين ثنايا الحواضر ويمسد على رؤوس الأهالي بنعومة يستحقونها ورفاه يليق بالبشر، أنتبهُ هنا وألتفتُ هناك، فلا أرى غير الحياة وهي ترتدي أجمل ثيابها لِتَضُمَّ أبنائها بين ذراعيها مثل أم رؤوم. نعم هذه هي الحياة التي وُجِدَتْ للجميع، وهي حق لكل الناس على هذه المعمورة.
لكن حين أدير رأسي نحو بلدنا أرى العكس مع الأسف الشديد، حيث التردي في الخدمات وسيطرة الخرافات ورجال الدين! كيف وصلنا الى هذا الحد الذي لا يبدو أن هناك شيئاً أسوأ منه؟ كيف إنمحى تاريخنا شيئاً... فشيئاً لنتشبث أكثر بخرافات لا تليق بأي إنسان مهما كان بدائياً وليست له تطلعات؟ ما هي الحكمة من أن يُداس بلدنا هكذا وسط الظهيرة بمداس كذبات تتحدث عن الغيب، وهي تُغَّيِب الناس وتشغلهم وتشل إرادتهم البسيطة؟
كل متحف جديد في العالم يقابله مرقد جديد عندنا، مرقد لم يسمع به احداً من قبل ولا بكرامات صاحبه ولا بشفاعاته المزعومة! لا طرق البلاد تشبه طرق العالم ولا كهرباء الوطن فيها شيء من الوطنية، إحتجوا على المشروبات الروحية، لكنهم سيطروا على أرواح البشر، مارسوا (فن) سرقة ثروات البلد وقالوا إن الفن حرام، إنشغلوا بتغطية رؤوس النساء بالخرق وكشفوا عورة البلاد للغرباء، إشتروا عقول الناس وباعوهم مكانها جنة بعيدة المنال، أقنعوا الناس بالصيام وأكلوا طعامهم في غفلة الظهيرة، يمدون يدهم اليمنى نحو الله ويضعون يدهم اليسرى في جيوب الفقراء، حولوا قلائد نسائنا الجميلات الى سبح للدجل والافتراء، وأغانينا الجميلة أحالوها الى لطميات، حيث رَدَّ الرادودون البلد الى الوراء. من أين جئتم وكيف نميتم كالطفيليات على جسد بلدنا المبتلى؟
في هولندا التي عمرها بضعة مئات من السنين فقط، يوجد أكثر من ثمانمئة متحف، ونحن الذين صنعنا تاريخ البشرية نبني كل يوم مرقداً وهمياً جديداً لا أحد يعرف صاحبه أو صاحبته، لينخرط الناس بالنواح وهم يعدِّلون طريقة بكائهم، لعل ذلك كفيل بتحسين الأمور. سفراؤنا منشغلون بطبخ القيمة بعد أن أضاعوا قيمة البلد، وبدلاً من توظيف خبراتهم لتحسين سمعتنا هناك، وظفوا أقاربهم في كل مكان يقع تحت أيديهم.
هل أتحدث عن الثقافة والفن ياسادة؟ هل أقول بأني أحزن حين أقرأ أسماء الكثير من أصدقائي وقد أضيف لها حديثاً إنتماءاتهم العشائرية؟ وهم بذلك يريدون أن يوصلوا الى الآخرين وبطريقة بدائية بـأنهم أفضل منهم! انظروا الى كمية الأدعية التي يرشقنا بها الكثير من أبناء بلدنا علـى صفحات التواصل الأجتماعي صباح مساء... وحتى منتصف الليل، وكأن الله جعلهم مسؤولينا الحزبيين على هذه البسيطة! إنخفض العلم عندنا وهو محاصر بين شهادات الدكتوراه سهلة التحقيق التي إمتلأ بها البلد وبين الأجيال الجديدة التي لا يجيد الكثير منها القراءة والكتابة، فإنحصر الأمر بين حملة الدكتوراه وبين ناس لم يدخلوا المدارس أصلاً! كل هذا وسط تراجع منقطع النظير في قطاع التعليم، ولكي تكتمل الحكاية فهناك من يدعو الى فصل البنات عن الأولاد في المعاهد والجامعات!
الى أين يسير البلد وهل هناك صحوة قادمة ليستعيد فيها مكانته وثقافته وتاريخه؟ هل هناك ما يدعو للأمل؟ أخشـى أن النور الذي ننتظره ونراه أحياناً في نهاية النفق ليس سوى مصباح قطار قادم، سيدحرنا ويمضي بعيداً دون شهود!