اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: بنادق ليست للزينة

قناطر: بنادق ليست للزينة

نشر في: 30 يوليو, 2019: 07:36 م

طالب عبد العزيز

في غياب الموجهات الحقيقية تصبح الحياة أخطر ممارسة إنسانية، وحين تستعيض الأمة بموجهات الغيب الـ (أخلاقية)

تتحول جل أفعالها من جادة الصواب الى احتمالات الصواب، التي هي بيد المجهول دائماً، ولعل المعادلة البسيطة هذه واحدة من أسباب تراجع أوضاع البلاد وسوء أحوال الناس، فقد باتت موجهات الغيب متحكمة بكل ما كان قائماً، بفعل العقل، وما كان سائداً بفعل قدرته على الاستمرار، لأنه ملموس ومتحقق النتائج.

تعمل العديد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية على جعل خطوط سير الحياة ضمن متوالية الممكن والمحتمل، لا الواقع والأكيد، فالموظف في الدائرة الخدمية يبعث برسائل سرية، لكنها معلنة لمراجعيه، فهو يقول لك تعال في الغد، سأكمل لك أوراقك. وهو هنا على يقين ثابت، بأنه إنما يمنحك الفرصة لكي تعوّل على تسويفه، وهو بالغ الحجة في ذلك، لأنه يدور في فلك عريض وواسع من الإرجاء والاحتمالات، إذ الدولة كلها ترجئ وتؤجل وتتراخى وتسوّف. تأتيه في الغد آملاً في خلاصك، لكنك، في الوقت ذاته، تكون قد ازددت يقيناً بما يضمره من تاجيل وتسويف، لا لشيء، إنما لأنك لم تتنبه لدرج مكتبة، الذي ظل مفتوحاً، بانتظار ما تقذفه فيه.

وعلى وفق المعادلة هذه، سيعوزك التصريح بما يجب عليك فعله، أتمد يدك مملوءة بالدنانير، أو تصرّح بأعلى صوتك محتجاً على تسويفه وابتزازه لك ؟ وبين النقطتين لن تجد من يصغي لك، بل ستجد العشرات ممن يقول لك: أعطهِ. ستجدهُ ممتلئاً، وعلامات السجود ظاهرة على جبهته، وفي الركن من مكتبه سجادة مطوية للصلاة، ومصحف صغير على زاوية المكتب، وهناك العشرات من المراجعين الذين ينادونه بالـ(حجي/ سيد) لذا، ستصغي مؤمناً بوجودك البرزخي هذا، ولن تقوى على إعمال حكمتك مهما بالغت في تعظيمها، فالقوم في السر ليس القوم في العلن، كلهم سيمدون أيديهم الى الدرج المفتوح.

تنتجُ الدولة العراقية نظامها هذا، وتعزز من وجوده، فهو الضامن لاستمرارها الى حين، وهي تدرك ذلك. لا يأتي الفساد من القانون وفعله ونتائجه(الموجهات الحقيقية) إنما يأتي من الغيب والأدعية والإيمان بالمجهول(الأخلاقية) ومن الاستماتة على ترسيخها، لن يكون بمقدورك التطاول على الموظف، الذي كنيته أبي سجّاد أو أبي مجاهد، أو أبي فاطمة أو أبي زهراء، فهو قد حصّن نفسه بقوة، ورفع الدريئة عاليةً على طاولته، أنظر خلفه ستجد عشرات الكتب والدورات المجلدة والمذهبة ، أنعم النظر جيداً، ستجد بيرقاً ملوناً وصورةً كبيرةً أيضاً.

فيا صاحبي: دع حقيبة الحقائق والمعاليم في صندوق سيارتك الخلفي، لا تخرجها لأحد، لأنك لن تجد متبضعين لها في سوق الغيب الكبير هذا، وخذها عنّي: لدى هؤلاء بنادق لا يعلقونها لتزيين جدران مكاتبهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram