حوار : صلاح سرميني
أحمد ثامر جهاد له مساهمات نقدية مهمة وانجز عدداً من الكتب النقدية في مجال السينما حاورته (المدى) للحديث عن النقد وتجربته في هذا المجال.
ـ سوف أحاول الابتعاد عن الأسئلة العادية، وأرغب بأن يكون هذا الحوار خارجاً عن المألوف؟
ـ لا أدري ما هو المألوف الذي تقصده كي نخرج عنه، بكلّ الأحوال، المهمّ، باعتقادي، أن يكون الحوار بيننا صريحاً، عفوياً، وغير مفتعل، رُبما يثير قضيةً ما أمام القرّاء تحتاج إلى نظر، أو إعادة نظر، أليست فضيلة الحوارات أنها تثير قضايا ما تحتاج الى فحص.
وقبل أن تنتقل إلى سؤالٍ جديد، أشير بأنك دائماً ما تحذف (نقطةً ضرورية) من اسم أبي، فتحوّله من "ثامر" إلى "تامر" تماشياً مع لسان أهل الشام، هل بوسعي استعادة نقطتي؟
ـ هناك الكثير من العرب الحاصلين على درجاتٍ علمية عُليا، ماذا قدموا للثقافة السينمائية العربية، أجد بأنّ الكثير منهم اكتفى بالتدريس في المعاهد، والجامعات.
ـ لا بأس أن يواصل بعضهم مهمته في الأكاديميات، تدريسياًّ، أو مشرفاً، أو مترجماً، أو تحت أيّ مسمّى آخر، لكن المشكلة اليوم أن الأكاديميات نفسها أصبحت بائسة، وضحلة، وليس لها أدنى علاقة بالفن، يحدث أن يقصدها البعض لتمضية الوقت، ولسهولة الحصول على شهادة، أتحدث هنا عن أوضاع أعرفها، ولا أريد التعميم بالطبع.
ـ بتصوري، يتدرّج حلم الناقد إلى الإخراج، هل تفكر بإخراج الأفلام، ...؟ وهل يمكن الجمع بين النقد، والإخراج؟
ـ بالتأكيد يمكن الجمع بين الإثنين، أفكر أحياناً بذلك، ربما لم تُتح لي فرصة موائمة، لنتذكر أن هناك أسماء عدة في السينما العالمية جاءت إلى الإخراج من حقل النقد، مع أن هناك تصوراتٍ تعتبر الناقد شخصية ثانوية.
ـ يبدو من خلال متابعتي للمشهد السينمائيّ النقدي العربي، بأنّ النقاد يعيشون مناخاتٍ باردة، وأجواء ضبابية فيما بينهم، ما هو تفسيركَ، وهل تخفي خلفها مبرراتٍ شخصية، أو احترافية؟
ـ ما تُسميه "أجواء ضبابية" لا يقتصر على أوساط نقاد السينما وحدهم، فهذه الظاهرة بكلّ سلوكياتها غير المرغوبة متفشية في العديد من الأوساط الثقافية، الفنية، والإعلامية، إلى درجة أنها باتت، بحكم شيوعها، أمراً اعتيادياً، والانشغال بهذه المسائل غير مجد بكلّ الأحوال، ولا أدري كيف لي تفسيرها بعيداً عن أخلاقيات العمل الإبداعي أياً كان.
ـ ما هو المقصود بكبار النقاد؟
ـ هذا التعبير يفترض منطقياً وجود نقاد صغار، أما إذا كان التصنيف وفقاً لعمر الناقد (البايولوجي) فلا معنى له.
ـ ولكن من هم كبار النقاد برأيكَ، متى يكون الناقد كبيراً معنوياً؟
ـ بالنسبة لي، لا يوجد معيار لتصنيف الكتاب، والنقاد، ماعدا مستوى إبداعهم، ومن هذا المنظور، يمكن لأيّ ناقد، بغضّ النظر عن أية معطياتٍ أخرى، أن يكون ناقداً كبيراً، وفي ثقافتنا العربية، وفنوننا ثمة الكثير من الأوهام بهذا الخصوص، أسماء صنعتها المؤسّسات الرسمية، وأخرى صنعها الإعلام، وأحياناً المُصادفات، وهكذا...
ـ في يوم ما أنشأ ناقدٌ مدونةً متخصصة كان هدفها كشف السرقات في مجال الثقافة السينمائية، هل أثمرت تلك الجهود في التقليل منها؟
ـ رغم أني كنت من مؤيدي تلك المدونة، إلاّ أن صاحبها هو المُؤهل أكثر من غيره للإدلاء بتصريحٍ كهذا، وإعطاء حكم، أو تقييم عما فعلته مدونته للحدّ من ظاهرة السرقات، أحياناً، بدت لي مدونة (سرقات سينمائية) شبيهة بإطلاق كلب بوليسي من قيده لمُطاردة لصّ مجهول في الأزقة، والشوارع المُظلمة.
ـ في تلك الفترة، كتب البعض، بأنها ليست وظيفته الكشف عن سرقات الآخرين، ومبادرته تلك ليست أكثر من تصفية حساباتٍ، بعد تلك المُواجهات، توقفت المدونة.
ـ إذا كان صاحب المدونة لديه مشاكل مع السرقات أكثر من باقي النقاد، فالمدونة حققت غرضها، لأنها كشفت المستور، يبدو أن الأمر أصبح أشدّ تعقيداً مع وفرة وسائل الاتصال اليومية، إذّ لا يمكن لأيّ كاتب الإحاطة بكلّ ما يُنشر، ولا بغربلة المواد المسروقة من سواها، وغالباً ما تقودنا المصادفات وحدها لاكتشاف أمر كهذا، بالنسبة لي، كنت أنفعل جداً حينما أجد مقالاتي منسوخة بشكلٍ ساذج، أو محترف من قبل البعض، ولكن، مع تكرار هذا الأمر، ومع أشخاص يُفترض أنهم أصدقاء لي، لزمتُ الصمت، تخيل أن أحد النقاد العرب أهداني ذات يوم نسخةً من كتاب جديد له، وربما نسيّ أنه يتضمن سرقة لإحدى مقالاتي !! علماً، بأن الأمر لم يأخذ مني سوى ثواني للوقوف على المقالة المسروقة، فبمجرد أن تصفحت فهرس الكتاب، حتى ذهبت إلى مقالة بعينها، وجدت أني أعرف عنوانها، وكانت هي المقالة المسروقة بطريقةٍ مونتاجية، أفكر أحياناً هل اطلع هذا الناقد على مدونة "سرقات سينمائية"؟
ـ للأسف، مازالت السرقات مستمرة، أشهر اللصوص الذين أعرفهم أصدر كتاباً جديداً مع أنّ الوسط النقديّ كله يعرف بأنه سارق، ومؤخراً اكتشفتُ كاتباً سعودياً كتب موضوعاً جمعه من كتاباتي عن السينما التجريبية، والأخطر في هذا الأمر، بأنّ إدارة المجلة الكويتية التي نشرت السرقة، دافعت عن السارق، ولم تعتبر ما ارتكبه سرقة، علماً بأنني أرسلت لمدير التحرير تفاصيل السرقة كلمة كلمة، جملة جملة، وفقرة فقرة...
ـ بعض وسائل النشر غير المحترمة تداري جهلها بهذه المسائل، فلا تُظهر اهتماماً بوقائع جارحة من هذا النوع يُفترض تفاديها يقع في صلب مسؤوليتها الأخلاقية، والمهنية، ومع غياب القوانين الرادعة، لا أظن أن أمراً كهذا يمكن أن ينتهي، بل إنه في اتساع متسارع مع وفرة مواقع النشر، وحمّى الأنترنت، بالتأكيد، لن تمضي حياتك في مطاردة خاسرة.
ـ أجد هناك ازدواجيةً في شخصية الناقد السينمائي العربي، هو يحترف النقد، ولا يتقبله؟
ـ هناك ازدواجية في شخصية الإنسان العربي عامة، هذا النوع الذي يُظهر عكس ما يُبطن، يستطيع بشكلٍ من الأشكال تسويغ أرذل السلوكيات، لكن الأمر يبقى نسبيًا مع أولئك الذين يظهرون تفهماً لما تقول، وليس لنا أن نلج إلى دواخلهم بالطبع،.. يبدو أنها حساسية طبيعية أن يُثار الانسان من النقد الموّجه إليه إذا كان مشوباً بدوافع شخصية، خاصة إذا جاء من أفراد مطعون في أهليتهم، ونواياهم، وبكلّ الأحوال، رُبما الناقد أقل نرجسيةً بكثيرٍ من النجم السينمائي العربي الذي يغتاظ جداً من النقد.
ـ دعنا نفترض بأنّ أحد المهرجانات العربية اعتمد جائزةً سنويةً لناقدٍ عربي، ماهي المواصفات التي يجب على إدارة المهرجان، أو لجنة التحكيم أن تأخذها بعين الاعتبار لمنح هذه الجائزة إلى هذا الناقد، أو غيره؟
ـ إبداعه، وسعة اطلاعه، وتواصله، وقبل ذلك كله أن يمتلك همّاً ثقافياً.
ـ هناك بعض النقاد لديهم حساسية مفرطة تجاه السينما المصرية؟
ـ السينما المصرية مفهومٌ واسع، إلى أيّ سينما تشير؟ الجميع، بما فيهم المصريين، لا يميلون لظواهر، أو اتجاهاتٍ سينمائية بعينها، وهناك حساسية طبيعية تجاه كلّ نتاج سينمائي سيئ يجري التعمية عليه، أو المبالغة بمكانته، سواءً أكان مصرياً، أو غير مصري.
ـ هناك آخرون يتذمرون من كلّ شيء: السينما المصرية، العربية، النقد السينمائي العربي،..
ـ مثل هؤلاء لديهم مشاكل عويصة، مع ذاتهم على الأرجح، ليس لديّ القدرة على تأويلها!
ـ أحد المُغرضين أفشى لي معلوماتٍ خطيرة عنكَ، قال لي حرفياً، بأنك تتابع الكثير من المهرجانات السينمائية، ولا تشاهد أفلاماً، وتقضي وقتك كله في غرفتك، وعلى شاطئ البحر، أو في مسبح الفندق، والأخطر بأنك طوال الوقت تجلس خلف الكمبيوتر تثرثر مع أصحابك عن طريق الفيس بوك، وتسخر من هذا، أو تلك.
ـ يا ليتني فعلتُ ذلك، لكنتُ أكثر استمتاعاً بالمهرجانات التي لا تخلف في النهاية سوى صداعاً مستمراً، وإجهاداً حتمياً، في المرة القادمة، سأستعين بكَ لتوضح لي أن يقع مسبح الفندق.
ـ بعد هذه الأسئلة، هل تعضّ أصابعك ندماً لأنك قبلتَ أن نتحاور، ألا يستحق الأمر بأن نعلن الحرب بيننا، ألا تعتقد أيضاً بأنّ هذا الحوار ثرثرةً لا معنى لها نستحق عليه العقاب بدل المكافأة؟ كما حاولتُ استفزازك بقدر الإمكان، ولكن، يبدو بأنني فشلت، ماهو السؤال الذي يمكن أن يستفزك؟
ـ هل ثمة ما يستدعي الحرب أساساً؟ ألا يكفي الحروب حولنا، لست نادماً، إنها لحظة مكاشفة لا بدّ منها على ما أظن.
ومن ثم، ثمة ثرثراتٍ جميلة، لكن الأجمل أن تُكافئ على ثرثرتك !
لستً مستفزاً، أو هكذا أظن، طالما أننا نتحاور عن بعد.
ـ بعد إجراء أكثر من حوارٍ، تبيّن لي، بأنّ ما أقدمتُ عليه يشبه حالةً ساديةً/مازوخيةً مشتركة بين جميع الأطراف، ويوماً بعد يوم، بدأتُ أحصل على متعةٍ ما من هذه الفكرة ؟
ـ تبدو إشارة مثيرة للاهتمام لختام هذا الحوار، لكن، على أمل أن لا تنفرد بالمتعة لوحدك، فما بين المتحاورين عقد تخادم ضمنيّ بوسعه أن يمضي بهما إلى نهاية مُرضية، جميلة، وآمنة.