اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باليت المدى: رموز وإشارات

باليت المدى: رموز وإشارات

نشر في: 17 أغسطس, 2019: 07:08 م

 ستار كاووش

كانت النساء في بيرو يَربِطْنَ رؤوسهن بقطعة قماش تشبه الشال، وَيَعقِدْنَ في طرف قطعة القماش هذه عُقَد مختلفة ولغايات يفهمها الأهالي

الذين كانوا يتعاملون مع هذه المرأة أو تلك حسب عدد العقد الموجودة، فإن عقدت المرأة في تلك القماشة عقدة واحدة فهذا يعني بأنها غير مرتبطة بعلاقة مع أحد، وهي تبحث عن شريك مناسب، وأن ربطِتْ عقدتين، فهذا يشير الـى أن المرأة مرتبطة بحبيب أو زوج ولا تود التواصل العاطفي مع الآخرين، وفي حال بانت في قماشتها ثلاث عقد، فهذا يعني رسالة صريحة، كونها مرتبطة بشخص ما، لكنها لا تمانع من الارتباط مجدداً إن ظهر أمامها رجل بمواصفات معينة. كانت لغة مذهلة في رمزيتها وإنفتاحها وبساطتها التي تشبه بساطة الحياة هناك، ونوعاً من التواصل الاجتماعي والعاطفي بشكله البسيط الصافي، وطريقة شاعرية ساحرة يتواصل بها الناس مع بعضهم دون لغة أو إشارات مبتذلة تحطم جمال المشهد وتخدش نعومة العاطفة، فلا حجة للرجال لفعل شيء مخالف هنا، لأنهم يعرفون أي نوع من النساء أمامهم ولا ينحرفون في طريقهم وهم يتابعون المرأة غير المناسبة. 

وفي جهة أخرى من العالم كان البحارة الهولنديون في القرن السادس عشر يعلقون أقراطاً ذهبية في آذانهم، أقراط يختلف ثمنها من بحار لآخر. كانوا يفعلون ذلك ليس لتجميل أنفسهم او إعطاء إنطباع بالقوة والبأس، بل كانت التقاليد الهولندية وقتها، تحتم في حالة موت البحار في أرض غريبة، أن يقوم رفاقه بنزع القرط الذهبي من أذنه، ليبيعونه ويسددون بثمنه تكاليف الدفن. وهكذا كان كل بحار يُعَلِّقُ كفنه وتابوته في أذنه، وهذا سر عيش أولئك البحارة دون تعقيدات، مندفعين، أحراراً، منفتحين ومغامرين لا يخشون الفاقة ولا العوز أو تدبير الأمور مهما حدث وأينما رَسَتْ مراكبهم. 

ورغم أن لغة الأشارات والرموز تساعد الناس في التواصل بسهولة، لكنها لمن لا يعرفها تسبب إحراجاً وإرباكاً لا مفر منهما، ففي سنوات بعيدة مضت، عند أول أيامي في مدينة كييف، كنت عائداً مساءً الى البيت، ليستوقفني ثلاثة شبان روس يتمايلون من تأثير الفودكا ويتحدثون معي باللغة الروسية التي لم أكن قد تعلمتها بعد، كانوا يتكلمون بإندفاع أقرب الى الصراخ، وهم ينظرون إليَّ كما يفعل الممثل روبرت دي نيرو حين يأخذه الحماس، لكن فجأة تراجعتُ الى الوراء وأصابني الرعب عندما بدأوا يمررون سباباتهم فوق رقابهم بطريقة تشبه الذبح، فَتَقَمَّصتُ شجاعة زائفة وحاكيتُ روبرت دي نيرو أكثر منهم وحدثتهم ببضعة كلمات انجليزية لم يفهموا منها شيئاً، ليستمروا بتحريك أصابعهم على رقابهم يميناً وشمالاً، وأنا أحاول الدفاع عن نفسي أزاء هذه الكارثة، حتى ظهرت جارتي سفيتلانا، التي بدأت بالضحك وهي تتوسطنا، وأخذت تهديء من روعي وتشرح لي بأن هؤلاء الشبان يريدون الاحتفاء بي، وهم يدعونني على الطريقة الروسية لأشرب معهم بضعة كؤوس من الفودكا، لأعرف بعدها أن الشخص الروسي حين يحرك إصبعه على رقبته فهذه إشارة لشرب الفودكا، وبعد هذه الحادثة صرت أدعو أصدقائي على كؤوس الفودكا بذات الطريقة وبحماس كبير وكأني روسي أباً عن جد! 

ومع الأيام صرتُ أفكر بالإشارات والتفاصيل الصغيرة وماتعنيه في البلدان التي أزورها، وأحاول أن أتعلم منها الكثير لأنها تقربني من الناس وتقاليدهم وثقافاتهم بطريقة سهلة ولا يمكن نسيانها أو الخطأ في ممارستها إن رسخت في الذاكرة. 

لكنك مهما عرفت من هذه الدلالات والرموز، ستفاجئك تفاصيل جديدة وتمد نحوك رأسها دون أن تحسب لها حساب، فبعد إفتتاح أحد معارضي دعتني إحدى صديقاتي لشرب القهوة في أحد مقاهي درينته القديمة، فإخترنا طاولة مريحة تطل على بناية إتحاد التشكيليين، ليقترب منا النادل الأنيق وهو يسألنا عن الطلبات، فبدأت هي قائلة (أريد قهوة بالخطأ)، عندها لم أفهم لماذا تريد قهوتها بالخطأ، وتساءلت مع نفسي عن سبب دعوتها لي أصلاً، ما دامت غير سعيدة بصحبتي! طلبتُ بدوري كاباتشينو، ليعود النادل بعد قليل مبتسماً وهو يضع الطلبين على طاولتنا الصغيرة، لكني بقيت متحيراً فسألتها: لماذا زَجَجتِ بي في هذا المكان ما دام الموضوع فيه خطأ؟، وهنا نظرتْ اليَّ قائلة وهي تحاول السيطرة على ضحكتها التي ملأت المكان ( قهوة بالخطأ معناها بالهولندي هو أن يكون فيها الحليب أكثر من القهوة)، لتدعوني بعدها لمعرض مشترك وهي تشير الى إتحاد التشكيليين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram