TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: إنهم يسرقون الحياة.. أليس كذلك؟

قناطر: إنهم يسرقون الحياة.. أليس كذلك؟

نشر في: 17 أغسطس, 2019: 08:16 م

 طالب عبد العزيز

الذين شاهدوا توافد الأسر البصرية على الحدائق العامة ، وسط المدينة في أيام العيد، لا بد إنهم استشعروا الروح الباهرة، التي تنشد المباهج والأفراح فيها،

لا بد إنهم تلمسوا عن قرب المحاولات الحقيقية للتخلص من أسر الضيق والضنك، وهما يسوران ويصبغان الحياة هنا. لكن، بات من الواضح أن الناس بدأت تتحسس بشكل أو بآخر معاني العيش الآمن، وفضاء الحرية المتاح لها.

فقد صار بحكم المتعارف عليه مشهد تأخر الرجال والنساء والأطفال، حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل في متنزه تقاطع ساحة الطيران بالخورة، مستمتعين بالعشب الاخضر، ومحروسين بعيون رجال الشرطة، الذين يحفظ وجودهم هناك إدامة لحظات السعادة، التي باتت الأسر تتمتع وتتنعم بها، ولعل المصاطب البسيطة والتماثيل الضوئية، التي نشرتها البلدية في الحديقة أضفت لمسة من الجمال والطمأنينة على المكان كله.

السعادة أن ترى الناس سعداء. والمغزى منها أن تكون سعيداً مع أبناء جلدتك. شخصياً، كادت عيني تدمع سروراً، وأنا أعاين أبناء مدينتي وهم يستمتعون بلحظات العيد، في الأجواء باذخة الجمال تلك، لكنَّ السعادة ستبلغ مداها الأبعد لو أنَّ الجهات البلدية والحكومية بدأت تخطط لذلك، بمعنى إنها تراعي القوانين التي تستدعي حق المواطن بالمساحة الخضراء، وهي نسب معلومة في العالم. ففي مدينة العين بدولة الامارات بلغت نسبة المساحات الخضراء نحو 30 مليوناً و632 ألف متر مربع، بمعنى أن نصيب الفرد منها حوالي 48.5 متر مربع. ومعلوم أن نصيب الفرد من المساحات الخضراء الذي توصي به منظمة الصحة العالمية يبلغ نحو 9 أمتار مربعة على الأقل. وتبقى كندا صاحبة الرقم الأكبر في ذلك.

ولكي نقرّب الصورة أكثر، ونجعل المقارنة ممكنة للذين زاروا اسطنبول والمدن التركية، نقول بان متوسط نصيب الفرد من المساحات الخضراء في تركيا 6.2 مترمربع، بحسب وزارة البيئة والتخطيط العمراني هناك. وهنا نقول: إذا كانت تركيا أو اسطنبول على وجه الخصوص، على ما عليه من الخضرة والحدائق والغابات لم تحقق النسبة العالمية المفترضة من حصة الفرد في المساحة الخضراء، وهي على ذات المناخ البارد والرطب والطبيعة الخضراء، التي نراها، ترى ماذا عن مدننا، في البصرة وبغداد وميسان والناصرية وغيرها؟

تجاوزت خرائط الاستثمار على حديقة الأمة، التي تطل على كورنيش شط العرب فأخذتها فندقاً، لم يكمله صاحبه منذ سنوات عشر، لعله فرَّ الى جهة ما في الأرض، وظلت الكتل الاسمنتية ماثلة باقبح ما يكون. واقتطع متنفذٌ بارزٌ في الحكومة المحلية من مساحة متنزه الخورة الجزء الاكبر، لينشئ عليه واحداً من أكبر المولات الاستثمارية الشخصية في المدينة، وهكذا الحال مع معظم المساحات الخضر في البصرة.

ولم تعد أبو الخصيب مدينة ماء ونخل، ولا قضاء شط العرب، ولا القرنة، ولا المدينة، ولا الفاو، ولا السيبة، ولا البرجسية، ولا جزيرة السندباد، ولا عشرات المناطق التي كانت خضراء زاهية ومثمرة. لقد سرقت الحكومة المحلية النخل والعشب والماء والهواء النقي وأعطتنا سلال التبضع من المولات، نشتري بها ومن أموالنا ما نريد. إنهم يسرقون الحياة أليس كذلك؟ 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram