TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: توني موريسون: فصلٌ في الشجاعة الإنسانية

قناديل: توني موريسون: فصلٌ في الشجاعة الإنسانية

نشر في: 24 أغسطس, 2019: 09:14 م

 لطفية الدليمي

لم تكن توني موريسون ( التي غادرت عالمنا في الخامس من شهر آب أغسطس 2019 ) محض كاتبة أو روائية ذات خصوصية عرقية - باعتبارها أيقونة الكاتبات السود - فحسب ؛

بل كانت إمرأة شجاعة حفلت حياتها بكلّ صنوف المجالدة والممانعة التي يمكن أن تميّز إمرأة ذات عزيمة فولاذية أرادت رؤية حلمها متحققاً على أرض الواقع ،إضافة إلى أنها كانت عنصراً فاعلاً في حقل الدراسات الجندرية والعرقية والمباحث الخاصة بسياسات الهوية والجماعات المهمّشة والمتمايزة ، لاعلى الصعيد الأمريكي فحسب على المستوى العالمي بأكمله . 

شدتني إلى توني موريسون علاقة روحية خاصة منذ أن قرأت لها روايتها الأولى ( العين الأكثر زرقة ) ، ثمّ توطّدت وشائج هذه العلاقة مع رواياتها اللاحقة وبخاصة روايتيها المميزتين (جاز) و (فردوس ) ، بالإضافة إلى دراساتها الرصينة في حقل الدراسات الثقافية التي شاعت وترسّخت مفاعيلها بفعل المؤثرات العولمية المعروفة . 

تتوّجت مقدرة توني موريسون الروائية والثقافية بحصولها المستحق على جائزة نوبل للأدب عام 1993 ، كما قلّدها الرئيس الأمريكي باراك أوباما وسام الحرية الأمريكي (وهو أعلى تقدير يمكن أن يحصل عليه مواطن امريكي من غير العسكريين) ، و تُعدّ من بين أعاظم الروائيين الأمريكان ،ويشير النقاد إلى روايتها (محبوبة ) كونها من بين أهم روايات الربع الأخير من القرن العشرين . 

تتحدث موريسون عن أهمية معرفة الكاتب للجمهور الذي يتوجّه إليه في كتابته، وتطرح في هذا الشأن مثالاً : " إن تولستوي لم يوجّه رواياته لفتيات ولاية أوهايو؛ بل كان يخاطب الشعب الروسي، وأنا أخاطب في رواياتي زنوجنا وعنهم ولهم أكتب، وإذا كانت رواياتي جيدة إلى حد معقول فسوف تُقرأ ويحتفي بها أناس آخرون غير الأمريكيين الأفارقة ." تثير هذه النقطة - التي ركزت عليها موريسون كثيراً في كتاباتها- أهمية أن يوجه الكاتب خطابه إلى أناس يعرفهم جيداً ولاتزلزله فكرة العالمية والشهرة عن خطه الأساسي : أن يكتب عن شعبه وأناسه كما فعل دوستويفسكي وتولستوي وكما فعلت هي بالذات . أن يكون شعبه جمهوره الأول ؛ فإذا كانت روايته ناجحة فسيلتفت لها جمهور آخر في أماكن أخرى من العالم .

عندما تتحدث توني موريسون عن الفن تبدو وكأنها ترتل أنشودة روحانية ؛ فهي ترى أنّ الإبداع الفنّي يسمو فوق تفاصيل حياتنا العادية وفوق تصوراتنا ، وترى أن اشتغالنا في الفن والإبداع يجعلنا نرتقي دوما فوق التفاصيل الصغيرة . تؤكد موريسون على أن : " الفن، بحق، هو رؤية علوية ، أو مابعدية ، ويتملكني إعتقاد بأن الفنان – سواء كان رساماً أو روائياً – هو أقربُ مايكون للإنسان الروحاني المبجل، وأن للفن رؤية ترقى فوق تفاصيل حياة البشر العادية " .

الثيمة الأساسية في روايات موريسون هي السعي الحثيث للسود لإيجاد ملامح هويتهم على المستويين الذاتي و الثقافي وسط مجتمع تشيع فيه مظاهر اللاعدالة واللامساواة ، ويعدّ استخدام ( توني موريسون ) للفانتازيا والأسلوب الشعري ومزاوجة الواقع بالأجواء الأسطورية إحدى الميّزات التي تختص بها موريسون في رواياتها و هي ذات الميّزات التي منحت رواياتها طاقةً سردية عظيمة، ومن يقرأ روايتها الفريدة ( جاز ) سيدهش للشعرية العالية في لغتها ومفرداتها المختارة بدقة من الموروث الشفاهي للأمريكيين - الأفارقة ، كما ستكشف له الرواية عن سياقها الذي يخدعنا وكأنه سرد ارتجالي يتماهى مع ارتجال موسيقى الجاز التي اشتهر بها الامريكان-الأفارقة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram