ستار كاووش
يغويني دائماً شكل التفاحة المستدير وإنحناءتها الجذابة وهيئتها الصقيلة اللامعة، كذلك ألوانها المختلفة وحجومها التي تتشابه هنا وتتباعد هناك،
لتشير الى الجمال وتعكسه بطرق عديدة. ويمتليء تاريخ الفن بأعداد هائلة من التفاحات التي إستقرت على قماشات الرسم وظلَّت تتكاثر على مرّ العصور فوق سطوح اللوحات، بعد أن إستهوت الكثير من الرسامين الذين إستلهموها في أعمال خالدة، وفي مقدمتهم سيزان الذي كان معروفاً ببطئه الشديد في الرسم، لذلك كانت التفاحات التي يضعها على الطاولة تذبل قبل أن يفرغ من رسمها، ليقوم بشراء تفاحات جديدة طازجة كي يكمل اللوحة، لكن التفاحات الجديدة تذبل هي الأخرى وهو مايزال يبحث عن اللون المناسب، فيضطر في النهاية الى إستبدالها بتفاحات بلاستيكية، وينغمس في الرسم متناسياً الوقت وكل شيء آخر. وكي لا أشط عن الرسامين الذين أحببت أعمالهم، إنغمستُ أيضاً بغواية هذه التفاحة ورسمتها في عشرات اللوحات وبطرق مختلفة، وصرتُ مع الوقت أنظر إليها كما أنظر الى إمرأة ناضجة وجميلة، فأنسى في بعض الأحيان المرأة التي أرسمها في اللوحة وأشرد بذهني مع التفاحة التي تستقر مثل طائر صغير بين أصابعها المرتجفة.
منذ أن مدَّ أبونا آدم يده نحوها، تغيرت هذه الفاكهة، أو بالأحرى صار شكلها رمزاً إستثنائياً يشير الى الخطيئة مرة، والـى الغواية مرة أخرى، وبين هذه وتلك تظهر الكثير من الدلالات والمعاني، مثل الحب والتحريم والجنس وبداية الخليقة. وبين تفاحة آدم... وصولاً الى تفاحة أبل إمتدت آلاف السنين، كانت فيها هذه الفاكهة اللذيذة مسرحاً للابداع والرمزية والغموض الذي يلف الكثير من الأعمال الابداعية مثل المسرحيات والروايات والقصص والأعمال التشكيلية والكثير من الحكايات وحتى الأساطير، ولم يقتصر ذلك على مكان محدد، بل شمل أماكن متباعدة وأراضٍ عديدة.
كان السويسري وليم تل قلقاً من أن لا يصيب سهمه التفاحة التي وضعت على رأس إبنه، لذلك أخفى سهماً آخراً كان سيصوبه -إن أخطأ التفاحة وأصاب إبنه- نحو الامبراطور غيسلر الذي أمره برماية التفاحة بهذه الطريقة كعقاب لأنه لم ينحني له في سوق القرية، لكنه أصابها وَسَلِمَ ابنه، لتدخل تلك التفاحة أيضاً الى الأساطير والحكايات الشعبية المتوارثة، وهكذا مع الوقت كانت التفاحة تنبثق في كل مرة من بين جميع الفاكهة وتمرر نفسها عبر التاريخ كرمز مختلف المعاني والدلالات.
في هولندا التي أعيش وأسم فيها، هناك الكثير من الأمثال الشعبية التي تتعلق بالتفاحة منها قولهم (التفاحة لا تسقط بعيداً عن شجرتها) ويقال في حالة تشابه تصرفات الولد مع تصرفات أبيه مثلاً، لكن رغم ذلك فالتفاحة أحياناً تسقط من شجرتها وتأخذنا معها بعيداً نحو عوالم غير متوقعة أو تغير نظرتنا لما يحيطنا، وتبدل قانون حياتنا، كما سقطت ذات مرة على رأس إسحاق نيوتن ليكتشف قانون الجاذبية ويغير طريقة رؤيتنا للأرض التي نعيش عليها.
ألتقطُ كل يوم تفاحة وأضعها على طاولة المرسم مثل تعويذة للجمال والحنو والرغبة والتزيين، وكل ماهو طري ويافع ومثير، إنها إمرأة في الثلاثين من العمر تتمرأى أمامي على الطاولة، وعند رسمها أمنحها غالباً هيئة تشبه شكل القلب، وذلك ما دعا الكثيرين لسؤالي حول هذا الشكل الذي يظهر في لوحاتي، إن كان قلباً أم تفاحة؟ وهذا أحد الأسباب التي تجعلني أقول، إن أعمالي تحمل الكثير من الرمزية، فأنا أرسم التفاحة أحياناً لأشير الى شيء آخر، والأمر هنا يتعلق أيضاً بلونها ومكانها في اللوحة وطريقة الإمساك بها والضوء الذي يستقر على حافَّتها النضرة، هل هي مستقرة على الطاولة أم على حافة النافذة؟ إضافة الى لونها وحتى الخطوط التي تتقاطع معها أحياناً، لكني رغم ذلك أنسى مكانها في مرات عديدة وأنشغل بجعلها حانية، ودودة، وبسيطة.
سأظل أفكر في التفاحة طويلاً وأردد مع نفسي كما أفعل الآن: رغم إعجابي الكبير بسهم وليم تل، بل حتى لو تسنى لي أن أطلق السهم بنفسي، يبقى قلبي مع التفاحة.