علي حسين
تجلس أمام التلفزيون في انتظار أن تسمع خبراً مفرحاً يُبشرنا أصحابه أنّهم قرروا أخيرا أن يتقاعدوا، ويعترفوا أن ابتعادهم سيسهم في إعادة الاستقرار إلى البلاد،
فتجد بدلاً من ذلك مطولات في شتم أميركا وقرارات بإعدام ترامب في ساحة التحرير وترميل الجميلة ميلانا .
تذهب إلى تويتر والفيسبوك فتجد الجيوش الإلكترونية تملأ الصفحات بشتائم التخوين لمجموعة من الشباب تتهمهم بأنهم باعوا أنفسهم للأميركان ، فيما الحقيقة أن هؤلاء ذنبهم الوحيد أنهم يؤمنون بالدولة المدنية.
وأنا أقرأ ما تكتبه هذه الجيوش التي تعشق كل شيء إلا العراق، وتتمنى أن يعم الازدهار والخير في الأرجنتين فقط لاغير !! ، تذكرت لافتة رفعها أحد المتظاهرين في واحدة من جُمع الاحتجاجات التي قمعتها الحكومة، فقد اكتشف الرجل أن أميركا خدعته بمشروعها الديمقراطي حين سلمت البلاد لأناس يتحسسون سلاحهم كلما سمعوا عبارة " دولة مدنية " فكتب ثلاث كلمات اختصر فيها كل معاناته وكانت:"طاح حظّج أمريكا".
للأسف إنّ الآفة التي أصيب بها التغيير في العراق هي الأدعياء، والقافزون فوق سطح التغيير بمنتهى الخفّة، ومشكلة هؤلاء أنهم يعتقدون أن الناس فقدت ذاكرتها ونسيت ماذا قال هؤلاء وجيوشهم الإلكترونية قبل سنوات في مديح الأمريكان .
سيقول البعض: ماذا تريدُ أن تقول؟ هل نصفّق للمحتل الأميركي ؟ لا ياسادة فالذين صفقوا للأميركان عام 2003، هم لاغيرهم من يشتمون الأميركان اليوم في الفضائيات، ولا تصدقوا أنها صحوة ضمير، بل البحث عن الذي يدفع أكثر .
وقبل أن استعرض لكم معاناتي من خطب الساسة كنت أنوي أن أكتب لكم عن خبر مثير، جرت أحداثه في الخرطوم عاصمة السودان التي كانت ذات يوم تعاني من هلوسات عمر البشير وعصاه وكرهه الذي يشترك به مع الساسة العراقيين لكل ما هو مدني..الخبر يقول إن هذه البلاد الجميلة بشجاعة أبنائها اختارت السيدة أسماء محمد عبد الله وزيرة للخارجية، وهي واحدة من أوائل السودانيات اللائي عملن في السلك الدبلوماسي، ولو تمنيت هذه الأمنية في العراق لاتهموك بالعمالة للإمبريالية ، كيف تريد لأمراة " ناقصة عقل ودين " مثلما يؤمن حجاجنا ان تحتل الكرسي الذي باركه مولانا الحاج ابراهيم الجعفري .
يطل السياسي العراقي علينا وهو يتحدث عن المظلومية وحق الناس بالأمن والرفاهية، لكنه يتحول في النهاية إلى مقاول يوزع الإكراميات والعطايا والعقود على الأقارب والأصحاب والأحباب.. يكتب ريجيس دوبريه في كتابه "المفكّر في مواجهة القبائل" إن: "الناس تدرك جيدا أنّ الخطاب السياسي الانتهازي يتعكّز على فضيلة النسيان التي يتميز بها البشر"، فالحقيقة أنّ النسيان، غفر للكثير من مسؤولينا، جرائمهم التي صُنّفت في خانة الخطأ غير المقصود.