ترجمة: صلاح سرميني
خلال الفترة من 9 تشرين الأول 2019، وحتى 19 كانون الثاني 2020، سوف تستقبل السينماتك الفرنسية بباريس معرضاً بعنوان (مصاصو الدماء)،
وبالإضافة إلى تجسيدهم على الشاشة، يستعرض ظهورهم في المجالات الفنية الأخرى.
ومن أجل هذه التظاهرة الكبرى، تمّ اختيار أعمالاً مميزة سوف تُزين جوانب المعرض من أجل وضعها في علاقةٍ مباشرة مع السينما:
القلاع المسكونة، الرؤى الكابوسية للفنان التشيكيّ ألفريد كوبين، النساء مصاصي الدماء للفنانة الأرجنتينية ليونور فيني، الشهوانية عند الفنان الفرنسي وليام بوكيرو، الكولاج السوريالي لإرنست، الإدانات المُظلمة، والملتزمة لجويا، ونيكي دو سان فال، ملاهي فوسكو، ومايك كيلي، وحتى صناديق شارل ماتون.
بدون نسيان عملين مُعاصرين يتمتعان بقوةٍ مزعزعة، تمّ تصميمهما خصيصاً للمعرض:
Self-portrait as a Vampire لـ"كلير تابوريه"، وFuck the Facts لـ"ويس لانغ".
في نهاية المطاف، سوف يطرح هذا المعرض متعدد التخصصات مسألة وضع مصاصي الدماء في السينما أوائل القرن الحادي والعشرين، وكذلك في تجسداتهم التلفزيونية العديدة:
(Buffy، True Blood ، The Strain).
اليوم، ماذا نريد أن نقول أكثر عن مصاصي الدماء هؤلاء؟ لماذا لم يهدأ الهوس بهم أبدا؟
ليس ميتاً، ولا حيّاً، ولكنه هامشيّ في الأساس، يتساءل مصاص الدماء عن ماهيته، ويقود بمهارةٍ المخرجين، والمشاهدين لطرح نفس السؤال بالضبط.
خلال الفترة الزمنية للمعرض، سوف يخرج مصاصو الدماء من الظلّ، وينتشرون في صالات السينماتك الفرنسية بباريس من خلال برمجةٍ على المدى الطويل تتكوّن من أربعة أجزاء.
بدايةٌ مهيبة مع أسبوعين يُعرض خلالهما جميع الاقتباسات السينمائية لرواية برام ستوكر، ومشهدٌ طويل مع التداعيات الأكثر شهرةً من مصاصي الدماء على الشاشة الكبيرة، يجمع بين أبيل فيرارا، كاثرين بيجيلو، جولي دلبي، كارل دريير، أوليفييه أسياس، أو جون كاربنتر.
أمسياتٌ من أفلام فئة BIS، مع مجموعةٍ من دراكولا منحرفة، شهوانية، أو هزلية، ويومٌ مخصص لعيد الهالوين مع تيم بيرتون.
وأخيرا، أمسياتٌ موضوعاتية، وليلتان، إحداهما مخصصة لثلاثية Blade، والأخرى لعيد الهالوين، وخلالها سوف يختلط مصاصو الدماء مع شخصياتٍ أسطورية أخرى من عالم الخوف.
كما سوف يصدر كتابٌ جماعيّ (256 صفحة) بإشراف ماتيو أورليان بالتعاون مع فلورنس تيسو، ويتضمّن مقالاتٍ، ومقابلاتٍ مع فرانسيس فورد كوبولا، فيرنر هيرزوغ، أوليفييه أسياس، ألبرت سيرا، وبرتراند مانديكو، بالإضافة إلى فيلموغرافيا كاملة لأكثر من 300 فيلم 1913 حتي 2020.
دراكولا
"أنا دراكولا"، جملةٌ شهيرةٌ في تاريخ السينما، قيلت بلهجةٍ سلافيةٍ غامضة من قِبل ممثلين مثل بيلا لوجوسي، أو جاري أولدمان.
يُعتبر الكونت دراكولا، الذي يحظى باحترام جمهور الأمس، واليوم، مع نفس الحماس الذي يشوبه الخوف، أيقونةً مظلمة، وتجسيداً لأكثر ما يمتلكه الإنسان من غريزيةٍ في علاقته بالجنس، والجنون، والموت.
لكن دراكولا ليس إلاّ مصاص دماء سينمائيّ من بين آخرين، مثل "إدوارد كولين" في فيلم Twilight ، أو "ليستات دي ليونكورت" في فيلم Entretien avec un vampire / مقابلةٌ مع مصاص دماء.
هم جميعاً يطاردون شاشات العالم بأسره، متسللين من ظلام حضاراتنا التي كلما تعثرت، تتصدع الإيديولوجيات.
وريث خرافات الأجداد، بما في ذلك اليونانية (Stryges)، وبلاد ما بين النهرين (Lilith)، تجذرت أسطورة مصاص الدماء في أوروبا الوسطى فترة الظلمات الدموية للعصور الوسطى.
تبدأ الشائعات بالانتشار في المقابر الجماعية للبلدان التي مزقتها الحروب، والأوبئة، يُقالvampyri وُفق المُصطلح السلافي المُستخدم في ذلك الوقت، عن من يحب المقابر، وينبش الجثث، ويعذّب البشر ليتغذى على دمائهم.
في القرن الثامن عشر، انتشرت قصص شخصاً غير ميت تجسّد مع سماتٍ مرعبة، من خلال كتاباتٍ علمية، قبل أن تتبلور لاحقاً في القرن التاسع عشر في الأدب القوطي الإنجليزي، أثارت أسطورة مصاصي الدماء الاهتمام مع كتاب الايرلندي "برام ستوكر"، دراكولا ( 1897).
في كتابه، يخترع المؤلف المُغرم بالتنجيم، والتنويم المغناطيسي، شخصيةُ معقدةً، مروّعةً، ولكنها جذابة، تمتلك سماتٍ خيالية، وبالتالي، قادرة على تحويل نفسها إلى حيوانٍ (خفافيش، وذئاب).
مراوغٌ، دراكولا هو المسيح الضدّ الخالد، يخشى الرموز الدينية، ولا يمكن القضاء عليه إلاّ من خلال حروق الشمس، أو بواسطة أداة مدببة تخترق قلبه.
ويخلق ستوكر حوله شخصياتٍ أيقونية، فان هيلسينج، خبيرٌ باصطياد مصاصي الدماء، ومينا هاركر الجميلة التي يحاول الكونت امتلاكها.
لم تتأخر السينما التي وُلدت في فجر القرن العشرين عن الاهتمام المُتحمّس بهذه الحكاية الروحية، والتي لا تخلو من نقدٍ ملتوٍّ للمجتمع الفيكتوري.
يضع الفيلم التعبيري Nosferatu لمورناو، الذي أُنتج في عام 1922 (اقتباسٌ مسروقٌ تقريباً من رواية ستوكر) أسّس ميتافيزيقيا تجعلنا نفكر بأن السينما نفسها فنٌ شبحيّ، فنّ الوهم، والتحنيط.
فنّ الأجساد التي لا تتقدم في العمر، والكاميرات التي لا تنعكس في المرايا، ونتيجةً لذلك، فإن النهج الحكائيّ في مصاص الدماء، يمزق الإخراج، كما لو أن السينما التي تعرّضت لعضّ جلدها، خضعت لتحولاتٍ مَرَضية، مما أثر بشكلٍ مباشر على شكلها.
وهكذا، في فيلم Martin لجورج روميرو، وmourir de plaisir /الموت متعةً لروجيه فاديم اللذان تمّ تصويرهما بالألوان، يظهر اللون الأسود، والأبيض فيهما لحظة اللدغة.
في Nadja ، الذي تمّ تصويره بمقاس 35 ملم، استخدم المخرج ميغيل الميريدا في مشاهد مصّ الدماء كاميرا هواة، والتي تخلق نصاعتها الرديئة شعوراً بالاضطراب المكاني، أو حتى التشوّه.
في جميع هذه الحالات، تخلق تجربة مصّ الدماء تشويهاً عميقاً للإخراج، الضحية الأولى لمصاص الدماء هي السينما نفسها.
منذ نشأتها، ارتبطت بشكلٍ لا ينفصم بمصاصي الدماء، وهكذا لا عجب أن أعظم المخرجين شعروا بالحاجة إلى إخراج مصاص دماء خاص بكلّ واحد منهم، من خلالهم يعبّرون عن شيءٍ من ممارستهم الفنية في لعبة مرايا مُدوّخة: كارل ثيودور دريير، تود براوننج، رومان بولانسكي، فيرنر هيرزوغ، فرانسيس فورد كوبولا، جون كاربنتر، تيم بيرتون، كاثرين بيجيلو، جيم جارموش لم يتخلصوا من إغراء النظر إلى الموت مباشرةً، وأحياناً مع جرعة طرافةٍ تفتقر إلى الوقار (لا تتوافق أفلام الرعب، مع المُحاكاة الساخرة).
ونفس الشيء بالنسبة للممثلات، والممثلين العظماء (حيث هناك أيضاً نساءٌ مصاصيّ دماء، حصلن على الشهرة عن طريق كتاب "شيريدان لو فانو" الذي ظهر في عام 1872 بعنوان "كارميلا").
من بين الأكثر رمزيةً:
بيلا لوغوسي في الثلاثينيّات (الذي ضخمّه الفنان الأمريكي "آندي وارول" من خلال لوحاته النسخية The Kiss، استجوابٌ قويّ حول حصة امتصاص الدماء في الوله بالنماذج الهوليودية).
كريستوفر لي، إيزابيل أدجاني، كاثرين دينوف، ديفيد بوي، وغريس جونز في ذروة التحرر الجنسيّ خلال السبعينيّات، والثمانينيّات.
وفي الآونة الأخيرة، معاصرون لمرض الإيدز الذي يُستخدم غالباً استعارةً شبحية، توم كروز، تيلدا سوينتون، جوني ديب، أو الأكثر شباباً روبرت باتينسون، وكريستين ستيوارت في سلسلة أفلام Twilight ذي الشهرة العالية، والتي في أوائل عام 2000 جددت تماماً هذا النوع من أفلام مصاصي الدماء، بالإضافة إلى الهدوء، والحنان.
وفيما إذا، في العمق، يريد الجميع أن يتحولوا إلى مصاصي دماء؟
لا تقتصر الجاذبية الجنسية التي لا تُقاوم لهذه الكائنات الخيالية على الرضا الذاتي، ولأنها غير قادرةً على تحقيق ذلك، تبحث دائماً عن الآخر الذي سيكشف ما هي عليه.
لا يميل دراكولا إلى النرجسية مطلقاً، ولكن بالأحرى الغريزة الجنسية (الولوج، والالتهام)، وهو التجسّد المُطلق لها.
مصاص الدماء مكشوفٌ (عاري)، ما يُفسر رُبما الأفلام الشهوانية المُرتبطة به، والتي لا تُعد، ولا تُحصى، ومع هذا العريّ الخاصّ الذي يظلّ مقلقاً للغاية، أكان الأمر يتعلق بإنتاجاتٍ صُورت في أوروبا، والولايات المتحدة، أو في المكسيك، ونيجيريا، وتايوان، واليابان.
مع نقطةٍ مشتركة، حصةُ من التعديّ، والانتهاك، والإثم (الجنسيّ، والسياسيّ في كثيرٍ من الأحيان) حيث مصاص الدماء هو الرمز، والدلالة.
لقد أصبح مصاص الدماء صورة الشخص الذي يبحث عن مكانه في العالم مُجسّداً، في نقاء تساؤلاته، شكلاً من أشكال الطوباوية.
تُكتب السينما بالضوء، ولكنها تُعرض في الظلام الذي سوف يظلّ إلى الأبد مملكة مصاصي الدماء الخالدة.