د.قاسم حسين صالح
هيهات منّا الذلّة) جملة قالها الإمام الحسين يوم عاشوراء أمام جيش عبيد الله بن زياد في سياق عبارة موجهة الى يزيد بن معاوية
هي بالنص (ان الدّعي ابن الدّعي قد ركزني بين اثنتين السلّة والذلّ..وهيهات منّا الذلة)..أي أن يزيد أراد منه إما أن يستسلم أو يسلّ سيفه ويحاربه..ما يعني أن لا رجعة لك ياحسين فإما أن تخضع لسلطة الحاكم (يزيد) وأما أن تقتل ،واتخذ قراره بأنه لن يعطيهم بيده إعطاء الذليل، ولا يقر إقرار العبيد.
وسيكولوجياً أو اعتبارياً،تعني (الذلّة) عكس (العزّة أو الكرامة) ..وتعني في تغريدة الحسين هذه أنه لا يليق بالمواطن الحر أن يعيش ذليلاً تحت سلطة حاكم فاسد..وإن عليه أن ينتصر لعزة نفسه باسترداد كرامته من الحاكم بالاحتجاج او الثورة.
ولقد استطلعت في (الرابع من عاشوراء هذا العام 1441، 2019 م)آراء أكاديميين ومثقفين في أصبوحة حملت نفس العنوان أعلاه ،لحضراتكم نماذج من إجاباتهم :
• العراقيون يتنفسون الذلّة وزيادة
• إحنه بنص الذلّه..وسلام الله على الحسين الشهيد
• لم نفهم ثورة الحسين أصلاً ،ولو فهمناها لم يبق فاسد بالحكومة إلا وتمّ سحله
• نحن من نسوّق للذلة بتصرفاتنا التي تبعدنا عن أي طريق صحيح، سواء للحسين أم لغيره،فبأعمالنا هذه ابتعاد عن الإنسانية وعن كرامتها.فلتغمس عقول محبي الذلة بالوحل وليضحك من أوصلهم الى الحضيض
• نحن في الدرك الاسفل من الذلّ والهوان بسبب أصحاب هذه الشعارات الزائفة والحكومة الفاسدة
• نحن شعب يغرق في الذلّ من رأسه لأخمص قدمه. شعب خانع ارتضى لنفسه عيشة الذل . للأسف لم يكن شعبنا يوماً كما هو عليه الآن.
• المسافة بيننا وبين مقولة الإمام كالمسافة بين أبو لهب والحمزة بن عبد المطلب.
• نداء خالد للإمام الحسين على مر العصور،يستنهض همم المظلومين الغافلين وما من مجيب.
• نسمعها وننقهر ونسكت.
• أسقطنا الهيهات وبقت الذلّة.
الحقيقة التي يتفق عليها العراقيون والمرجعية وأحزاب السلطة وقادة الكتل السياسية،إن الفساد شاع في العراق منذ أعلن السيد نوري المالكي في ولايته الاولى 2005 بأن (لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لأنقلب عاليها واطيها)..وما كشفها. واستمر الى ولاية السيد حيدر العبادي 2014 الذي وعد بأنه (سيضرب الفساد بيد من حديد)..وما ضرب. واستمر الى ولاية السيد عادل عبد المهدي(2019) الذي شكلّ مجلساً لمحاسبة الفاسدين وما استطاع محاكمة واحد من حيتانهم.
والحقيقة الثانية،إن أحزاب السلطة الأقوى في الحكومة هي أحزاب الاسلام السياسي الشيعي،وإن قادة هذه الأحزاب والكتل السياسية والمسلحة الشيعية دفعتها سيكولوجيا الضحية وبارنويا الخوف من أحزاب السنّة الى اعتبار العراق غنيمة لها، فاستفردت بالسلطة والثروة..نجم عنها خراب وطن، وسبعة ملايين دون مستوى خط الفقر،وحياة قاسية تمثل أحط حالات الذلّة..وملايين البصريين يتحسرون على ماء حلو يشربونه فلا يجدونه مع انهم يعيشون في المدينة الأغنى بالعالم!.
والحقيقة الثالثة يشخصّها الكاتب البريطاني (كوكبورن) الذي له ثلاثة كتب مهمة عن تاريخ العراق الحديث.كان هذا الكاتب يتمشى بشوارع بغداد فشاهد بساحة الفردوس لافتات سوداء مكتوبا عليها (الحسين منهجنا لبناء الوطن والمواطن)، فكتب لصحيفة الاندبندنت مقالة بعنوان (كيف تحولت بغداد الى مدينة للفساد) بدأها :(احسست بألم وأنا أرى هذه الشعارات..) مايعني إنه أدرك التناقض الحاد بين قيم الأمام الحسين وبين من تولى السلطة في العراق ويدّعون إنهم حسينيون. فحينذاك(2005) كانت ميزانية العراق تقارب ترليون دولار..أي ما يصل حاصل جمع ميزانيات العراق خلال ثمانين عاماً!،وحينذاك أيضاً كانت زخة مطر قد اغرقت بغداد (عاصمة الثقافة العربية!) في مشهد لا ينسى. وبعدها تجاوزت نسبة البطالة الـ(30%) معظمهم خريجون،فيما بلغت نسبة من هم دون خط الفقر في زمن ترليونات النفط (13%) وفقا لتقريري لجنة الاقتصاد النيابية ووكالة USAID الأميركية،وارتفعت لتصل( 30% )بعد 2014 وفقاً لوزارة التخطيط،ما يعني أن أكثر من سبعة ملايين عراقي يعيشون بأقل من دولارين في اليوم وفقا لخط الفقر العالمي،فيما مسؤولون يدعون انهم (حسينيون)،اشتروا البيوت الفارهة في عواصم عربية وعالمية، وبنوا فنادق فخمة وهم كانوا معدمين..فتمتعوا برفاهية خيالية وأوصلوا حتى جماهير الشيعة التي انتخبتهم..الى اقسى حالات الذلّة.
والمفارقة ،إن محبّي الحسين من جماهير الشيعة لم يجسدوا تغريدة الحسين (هيهات منّا الذلّة) مع إنهم يعيشونها،باستثناء الصدريين الذين اضاعوا فرصة تاريخية يوم دخلوا الخضراء وفر (حسينيّوها) مذعورين متوسلين،فيما المدنيون والتقدميون والشيوعيون جسدوا تغريدة الحسين منذ شباط 2011 وما زالوا بتظاهرات واحتجاجات وقدموا التضحيات بينهم من اغتيل بكاتم صوت.
وحقيقة (حسينية ) غائبة هي إن قيم الحسين تستهدف توعية الناس بدورهم الأخلاقي والاجتماعي والديني في إصلاح شؤون الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،وتنبيههم بأن مواصفات الحاكم العادل هو ذلك الذي يحكم بالحق ويحترم آراء الناس ومعتقداتهم ويجعل القانون معياراً لهيبة الدولة ومشروعية حكمه،باعتماد مقولته:(ولعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب،القائم بالقسط، الداين بدين الحق،الحابس نفسه على ذات الله). وإن على الحاكم أن لا يفرّق بين احد من الرعية على اساس القرابة او الطائفة او العشيرة( فيما الحسينيون عندنا قسموا الوزارات ومؤسسات الدولة حصصا بينهم)،ولا يعتبر ما يجبى من زكاة وخراج (ثروة الوطن) ملكاً خاصاً به،يشتري بها الضمائر والذمم ويسخرّها لمصلحته،وينفقها على ملذاته وإشباع رغباته الدنيوية الزائلة..فيما بنى من يدّعون أن الحسين جدهم قاعات كانت أحداها في بغداد قد وصفت بأنها الأكبر والأضخم بين مثيلاتها في الشرق الأوسط.
وحقيقة شخصها الإمام الحسين قبل أكثر من ألف سنة وتنطبق الآن على العراقيين بقوله :(ولكنكم– يعني الناس - مكنتم الظلمة في منزلتكم،وأسلمتم أمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات، سلطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم، فمن بين مستعبد مقهور وبين مستضعف على معيشته مغلوب..)..أليس هذا ما هو حاصل الآن؟!
خاتمة القول..في هذا التساؤل:
هل ستؤدي تغريدة الأمام الحسين (هيهات منا الذلة) الى إصلاح الحال والخلاص من حكم وصفته جريدة الديلي ميل بأنه (الأفسد في تاريخ الأنسانية)؟
هنالك من يرى أن الفاسدين من الحكّام قد امتلكوا السلطة والثروة التي تمكنهم من البقاء بالأغراء وشراء الذمم وقتل أخطر الخصوم بكاتم الصوت.
وهنالك من يعتقد بحصول تحول ايجابي لدى جماهير الشيعة الذين استغفلوا واشغلوا باللطم بعد أن ثبت لهم أن من يدعون انهم (حسينيون) ،هم بالضد من قيم الحسين ،وانهم سيتوحدون مع المرجعية الدينية في إشاعة القيم الحقة للامام الحسين ويحققون دعوتها باقامة دولة مدنية حديثة..فأن فعلوا،عندها سيكونون حسينيين فعلاً في تجسيد تغريدة الحسين (هيهات منّا الذلّة).