رعد العراقي
لم تشهد الساحة الرياضية العراقية على مرّ تاريخها إنهياراً في منظومة العلاقات ولغة الحوار الحضارية التي تجمع بين أبناء البيت الرياضي
مثلما هي عليها اليوم حيث تحوّلت بفعل فاعل غافل أو جاهل متطلّع للتحليق بأجنحة المجد الكاذبة نحو منصّات الشهرة والكسب المالي دون أن تمسّ شغاف قلبه مآسي الدمار الذي خلّفه إقلاعه وهو يَسحق المبادىء والقيم التي كانت عنواناً ناصع البياض للرياضة العراقية.
آه .. وألف آه على عمالقة الرياضة والإعلام الذين أسّسوا مدرسة الخلق الرياضي، هناك من رحل منهم وترك أثراً طيّباً، وهناك من لا زال منزوياً يصارع أمراض الشيخوخة وبين هذا وذاك إلتزم من تبقّى منهم الصمت واحترم تاريخه وفضّل أن ينأى بنفسه عن مهازل ما يجري وهو يدرك أن لا حياء لمن تنادي ولا عقول تعي لنصائحه، فالمركب يسير بأهواء من تسلّط على قمرة القيادة الرياضية متسلّلاً من خارج أسوارها!
ما حكّ جلدك مثل ظفرك..هكذا يختصر بيت الشعر الذي بات مثلاً شعبياً واقعاً عمّا يجري من فوضى ويحدّد الأسباب بدقة حين غادر أهل البيت الرياضي من النجوم مواقع المسؤولية قسراً وتصدّر بعض مراهقي العمل الإداري المشهد بعد أن طوّعوا قوانين الديمقراطية تحت حِراب المحاصصة والمناطقية والعلاقات الشخصية ليظفروا بصك الانتخابات لتكون لهم حاجزاً تتحطّم عندها كل دعوات التصحيح والتغيير.
هنا كانت المعضلة الحقيقية.. بدأت بقصة النجم الأوحد التي نشأت بتأليف محبك في زمن حسين سعيد سواء بقصد مسبق أو دون إدراك لنتائجها المستقبلية، فكانت تشكيلة اتحاد الكرة لا تضم أي نجم سوى رأس القيادة، وأستبعد الآخرون، وكان من ضمنهم أحمد راضي لتصبح شريعة سار عليها من خلفهم، بل أنهم أقصوا حتى النجم الوحيد ووضعوا الخطوط الحمر لكل من يقترب لحدود مواضعهم أو يقدّم النصح اليهم فأصبحوا هم أهل البيت الكروي والنجوم الغرباء!
ولأن زمن الفوضى لا يبقي فسحة للتعقل والتدّبر، فقد شاءت الاقدار أن تصاب منظومة الإعلام الرياضي هي الاخرى بذات الفايروس لتلتقي نفس النوايا عندما وجدوا الفضاء الإعلامي متاحاً لهم ومنابر القنوات الفضائية مرحّبة بطروحاتهم دون قيود، لينبروا في مهاجمة النجوم بأوصاف مقزّزة وبلغة لا ترتقي الى مستوى النضوج العقلي، متناسين أذواق المشاهدين ورابطة العلاقات المهنية التي من المفترض أن تكون حاضرة بكل خطاباتهم بعيداً عن أي خلافات..حرب كلامية بأجواء تشويقية تريد أن تسقط أي محاولة لعودة نجوم الكرة لإدارة شؤون لعبتهم وتوسيع فجوة اللقاء بينهم وبين الجماهير الكروية حتى وإن استخدمت ألفاظ تشعرك بأنك في وسط أزقة الخارجين عن القانون!
من يُلجم الإنفلات الفكري ويعيد هيبة ودبلوماسية الحديث ويحدد شروط تقلد المسؤولية عبر المراقبة والمحاسبة وفرض سلطة القانون لكل من يتخذ من لغة التلويح بالعنف أو الإساءة للآخرين نهجاً له أو ذريعة لإخفاء فشله والاحساس بمركّب النقص الشخصي؟ ومن ينقذ الإعلام الرياضي الذي يحاول بعض مقدمي البرامج اغتيال نزاهته وحياديته بالتعمّد باستضافة ضيوف الإثارة ومحبي لغة السب والشتم ليفسدوا الذوق العام؟
نقول وبصوت عالٍ..إنها قضية وطن..لا نقبل أن تنتهك فيه اخلاقيات البيت الرياضي، ونرفض أن يُساء لثقافة الاجيال، ونشجب إهانة النجوم بكل تاريخهم، وقد حان الوقت أن تتحرّك الجهات المعنية ممّثلة بوزارة الشباب والرياضة والمؤسسة الأم للصحفيين وقبلها اتحاد الصحافة الرياضية لوضع ضوابط ملزمة أو اقتراح تشريع يحمي (الأخلاق الرياضية) من عبث المتصيّدين في الأزمات ومُدمني الإساءة!