لطفية الدليمي
مازلنا في أغلبيتناعلى المستوى الفردي، وبرغم كل ادعاءاتنا ، لانقتنع بوجهة نظر الآخر في أمر ما بل نحاول قدر استطاعتنا
أن نثبت خطل المقابل وندعي امتلاك جانب الحقيقة ،غيرأن امتلاكنا لمقومات النقاش والتحليل المنطقي تعصمنا من الانجرارللغضب ، أما على مستوى المجتمعات والأمم وعلى مستوى العلاقات داخل الأُسَرة فتؤدي اختلافات وجهات النظر غالبا الى الانفصال والتمزق المحتوم، وتماثل الصّراعات العنيفة معارك حربية تغذيها الكراهية وتقوم على رفض الآخر والعجز عن فهمه. فهناك في الحياة أزواج يتعايشون على مضض بلا انفصال وشعوب تعيش مرارة العنف وتسود فيها شخوص يحركها الثأر والبغض لاختلاف الفكر وتعارض المصالح .ويفضي هذا التباغض إلى تسميم حياة الكارهين والمكروهين معا مما يجعل التفاهم بينهم أمرا مستحيلا.وبرغم وجود وسائل التواصل التي تيسر النقاش والحوار، إلا أن سوء الفهم يتفاقم كل يوم .
يمتلك العنف الهمجي وانعدام الإنسانيّة الاستعداد على الانبثاق داخل كل انسان متحضرفي لحظة معينة تحتمها ضرورات البقاء،أو تفرضها سلطة مهيمنة، فالعودة إلى العنف الهمجي في العلاقات البشرية ظاهرة تترافق مع انهيار المنظومات القيمية من جانب،والتعسف في ممارسة القوة والاستبداد تحت مبررات ملفقة كالحفاظ على وحدة الوطن والأمة، وسيكون الارتداد للعنف أيسرلدى الجماعات المحكومة بأفكار مسبقة عن المقابل، وهي أفكار زرعت في وعيها تحت ضغوط ومؤثرات دينية أو سياسية، أوقد تكون فرضت عليها بسلطة الأعراف القبلية الصارمة، فتندفع لممارسة العنف باعتباره حقا من حقوقها للدفاع عما تؤمن به أو مالقنت إياه من يقينات لايمكن مناقشتها؛ فتعتقد أن العنف وسيلتها الوحيدة لفرض سلطتها على المختلف، وتتصرف باعتبارها فوق كل قانون وقيمة اعتبارية.
يعاني غالبية الاشخاص ذوي الرؤية المتفردة والقدرات العقلية المتفوقة عنتا كبيرا في مواجهة تلك الجماعات المسيّرة التي تتصرف وكأنها مصابة بعمىً عقلي وقد توقف لديها كل إحساس بانتمائها الإنساني ، فانفلتت ضراوتها لتبيد كل شيء أمامها ، وفي هذه الحالة لن تجدي رسائل المناداة بالأخوة الإنسانية والدعوة للتّعاطف والتآلف الّتي توارثتها الاتّجاهات الرّوحانيّة الكبرى والأديان والفلسفات الإنسانيّة ، فهي لم تعد قادرة على التأثير في الهمجيات المنفلتة ففي حالة تفجر الهمجية الداخلية من أعماق الانسان الذي نزع جلده الحضري الهش، سيجد المثقفون من مفكرين ومبدعين وفنانين أنفسهم قلة محاصرة ، بل ومنبوذة تنظر إليها الجماعات العنيفة المسلحة بهزء وتسخر من عقلانيتها ولجوئها إلى الحوار والنقاش، فتجد هذه الفئات من الأشخاص العقلانيين الساعين لحل معضلات العيش بطرق متحضرة، تجد نفسها محاصرة بين قوسين من الخطر المدمر والرفض المطلق، فلاهي بناجية من عنف المتسلط ولاهي بقادرة على المكوث في ملاذاتها الهشة التي يسهل اختراقها وتدميرها، فيلجأ بعض الطهرانيين من بينهم إلى النكوص والانغلاق والإنسحاب السلبي من المجتمع ، وتختار فئة أخرى – مستندة إلى تأويلاتها النفعية - تختار ممالأة السلطة والقوى العنيفة والعمل تحت مظلتها طمعا في تحقيق طموحاتها وحماية وجودها متخليةعن استقلاليتها بانخراطها في المشهد العام بكل عنفه وغوغائيته وفساده ، وتمارس فئة ثالثة العمل الفردي ، تكتب أو تبدع أو ترسم أو تفكر، وتحاول النفاذ من بعض ثغرات في المنظومة العامة المتسلطة لتعلن موقفا أو تنشر رأياً أو تقدم عملاً فكرياً ما ، لكنها في المحصلة النهائية لاتلقى أي ترحيب أو قبول من مجتمع الصفقات الكبرى المتضامن حفاظاً على مكاسبه ،فلاتلبث أن تنسحب وتنطوي على مرارة خيباتها وتنأى بنفسها عن واقع اجتماعي وثقافي يحاصره عنف مشرعن وهي تراه يتهاوى أمامها ويتفكك تحت وطأة العنف والضغوط.