طالب عبد العزيز
هل لدينا بحر في البصرة ؟ أو هل تقع البصرة على البحر فعلاً، من يقول ذلك؟ ومن رآه؟ وكم عدد الذين شاهدوه عياناً؟ ما لون مائه وسمائه،
وهل نعرف، نحن البصريين شيئاً عنه؟ كم يبلغ طوله؟ وكم يبعد عن البصرة؟ هل بيننا من قصده لرؤيته؟ وهل نحن على علاقة معه؟ أتربطنا به آصرة ما، أينها؟ ولماذا لا توجد ثقافة بحرية عند السكان، مثل كل سكان المدن البحرية في العالم؟ مع أن الكل يقول بأن البصرة ثغر العراق الباسم، وبوابته على الخليج ؟
يا ترى، أين الجهات البلدية والحكومية من الأمر؟ ولماذا لم تجعل للبصريين منفذاً اليه، يطلون منه على الماء الأزرق الممتد والبعيد؟ يستردون عنده أرواحهم، التي تعذبت وشقيت بسبب الحروب والبطالة والنفي والعوز؟ ولنذهب بعدياً في الحلم، هل بيننا من فكر بكتابة رسالة لصديقه أو لحبيبته ويضعها في زجاجة ويرميها في البحر؟ مثلما كان يفعل كل سكان المدن البحرية في العالم، أنا فعلت .
نحن بحاجة الى أسطورة، بل الى خرافة تنقذنا من واقعنا المحيِّر، المقيت هذا، لذا سأفترض إننا نملك بحراً، كان اسمه في الخرائط ذات يوم بحر البصرة، أو خليج البصرة، وكانت الدنيا كلها تأتيه، تحمل منه أو تأتي له محمّلة بما اختلفت عليه طرق التجارة من طعوم وثياب وعطور ووسائل الحياة. إذن، لدينا بحر، وإلا من أين يؤتى بالسمك الى اسواقنا؟ ومن أي مرسى عائم يحمل ملايين الأطنان من النفط الى المدن البعيدة؟ لكنَّ الخرائط تقول بأن ساحلنا عليه قصير جداً، إزاء ما تملك الدول المجاورة، وتقول خرائط السياسة بأنَّ جهابذة الترسيم العراقيين، المفاوضين، الذين لم يدخلوا البحر مرة في حياتهم، فرطوا بالكثير من الصخور والرمال والموج في أم قصر وخور الزبير.
ذات يوم وقبل نحو من عشر سنوات جرّني سرمد الطائي اليه، سألني ما إذا كنت رأيته من قبل، فعاد بي الى ثمانينيات الحرب فقلت: ايما ،نعم، رأيته، عند نقطة تدعى: رأس البيشة، حيث ينتهي شط العرب، لكن من خلف الأسلاك، كان محتجزاً بعيداً، ومن كوى عميقةٍ في سواتر التراب تطلعت إليه. كان مثلي حزيناً، لا يحفل بالنصر ولا بالشهداء، ولا بالنخل الذي ظل يسقط تباعاً الى اليوم.
يقول الجغرافيون بوجود 635 نهراً في الجهة الغربية من شط العرب و165 نهراً في الجهة الشرقية، كلها متصلة بالبحر، يا ترى هل بين أدباء مدينتي من فكر بدخوله؟ البصرة جزيرة محاطة بالماء، وكل نهر فيها يقود الى البحر، ولمن لا يعرف ذلك أدعوه للنظر من نافذة الطائرة المحلقة فوق شط البصرة، قبل هبوطها المطار، سيرى العجب !! مشهد استثماري لكل ذي مال وصورة لكل باحث في الجمال.
سأرسخ من الحلم، فاقترح ساحلاً رملياً طويلاً تتوزع على جانبيه الفنادق والحدائق والمطاعم والكازينوهات والشاليهات ووسائل الترفيه والتسلية، دار للسينما وسوق عصري ومول كبير ونماذج من حياة بحرية لسكان الفاو أو أم قصر وأبي الخصيب، مطعم يقدّم السمك البحري بانواعه التي لا تعد .. وسأقترح وجود شاعر وروائي وموسيقي ورسام وعائلة تخلصت من ظلام الإسلاميين فافترشوا العشب، وسأضع في اللوحة عاشقين، أو زوجين حديثين، خارجين من الفندق الى المرسى، يطلان على الموج الأزرق، وقد تفتت من قسوة الطبيعة الكثير، وتراجع من كراهية الجمال في النفوس المريضة ما ينبغي.
كنت مضطراً لكتابة الرسالة هذه، هنئذا، أودعها زجاجة النبيذ، التي فرغت للتو، وبكل ما أوتيت من قوة رميتها في البحر، لقد أحكمت إغلاقها جيداً.