علي حسين
لا يخدعنكم الكلام المعسول والمنمق الذي اطلقه معظم المسؤولين خلال الايام الماضية من أن الاحتجاجات حق مشروع ،
كما جاء في بيان رئيس الجمهورية وفي خطب رئيس الوزراء وفي الوقفة التلفزيونية التي ظهر بها رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، كل هذا الكلام لا يدخل عقل طفل، لأن الذي يحترم حق المواطن في أن يحتج ويتظاهر ويطالب بحقوقه، لا يحاصر متظاهرين شباب ويمزق أجسادهم بالرصاص، ولا يؤلب المجتمع على بعضه، ولا يرتد بنا إلى عصر وطبان وسبعاوي، فالهجوم البربري على شباب التظاهرات في بغداد وذي قار وميسان وديالى ليس فقط جريمة، لكنه فضيحة مكتملة الأركان تكشف لنا أي نوعية من البشر يحكموننا.
الجميع للأسف بما فيهم الناطق باسم وزارة الداخلية يعيشون حالة يصفها علماء النفس بأنها تدعى حالة إنكار. هذه الحالة تجعل من يعيش فيها لا يرى الواقع، بل يرى فقط ما يتصوره هو، لا يصدق الحقائق الموجودة على الأرض، بل الأوهام التى يتخيلها، والتي يريد من الجميع أن يصدقها.. ففي لفتة "بارعة" أخبرنا اللواء سعد معن "مشكورا" بأن الذين أطلقوا الرصاص على المتظاهرين "مندسين" على الأجهزة الأمنية، وأن هؤلاء المندسين استطاعوا أن يتسلقوا البنايات العالية، ويمارسوا هوايتهم في قنص المتظاهرين.
حالة الإنكار عاشها كثيرون من قبل، وفي التاريخ القريب فإن السيد نوري المالكي حتى هذه اللحظة يعتقد أن مخلوقات فضائية هي التي مزقت أجساد شباب تظاهرات شباط 2011، وبسبب حالة الإنكار التي هي حالة مرضية أصدر الصحفي الأميركي الشهير بوب وودود كتابا عن جورج بوش اسماه "حالة إنكار"، ونحن نعرف أن معظم مسؤولينا هم تلاميذ نجباء للولايات المتحدة الأميركية.
العالم كله تأكد أن السيد نوري المالكي ومعه أركان قيادته أخطأوا في قضية الموصل ، لكن السيد المالكي ومعه مقربيه لا يزال يمارس حالة إنكار ويتصور أن هناك مؤامرة ضده .
كان تشرشل قد قاد بريطانيا للانتصار على النازية، لكن رغم ذلك أسقطه الشعب، لم يقل إن البريطانيين شعب ناكر للجميل، وانصرف إلى بيته في هدوء، وهو ما حدث مع ديغول الذي حرر فرنسا من قبضة هتلر، وما حدث قبل اشهر من ميركل التي حققت طفرة اقتصادية لالمانيا .
فى البلدان التي تمارس الديمقراطية الحقيقية، يغير الشعب الحاكم، بسهولة لكن فى بلداننا التي يراد لها أن تعيش ديمقراطية حنان الفتلاوي، فإن الموت هو جزاء كل من تسول له نفسه الخروج في الساحات للمطالبة بالتغيير.
معظم مسؤولينا يعيشون حالة إنكار.. ويتصورون أن الشعب يريد منهم الاستمرار في السلطة، فما السبيل لإقناعهم بأن صلاحيتهم انتهت عند إطلاق أول رصاصة على صدر متظاهر .