علاء المفرجي
صورة المثقف كما رسمها المخرج يوسف شاهين في أفلامه، والتي تصلح أن نُطلق عليه (المثقف المهزوم) تلك الصورة التي وضعها شاهين لـ(محمد أفندي) الذي جسّده باقتدار الممثل حمدي أحمد،
حيث يكون أول الهاربين من بطش الجنود وهم يجتاحون مزرعة القرية، تاركاً حتى أخيه الفلاح دياب (علي الشريف) وابناء قريته نهباً للبطش والقمع. وهو موضوع سنقف عنده في مناسبة أخرى
وربما تكون هذه الصورة هي الأقرب لصورة مثقفينا وهم يتفرجون أو قل يتضامنون في نوافذ السوشيال ميديا مع الحدث. دون المشاركة فيه أو المجاهرة بموقف واضح منه. فالسينمائيون كانوا أول من تمثل الزلزال الذي ضرب عواصم العرب، على مدى أشهر قبل أعوام، موقفاً وتوثيقاً.. ابتداءً من لحظة ظهور المخرج خالد يوسف حاملاً كاميرته مشتركاً وموثقاً إيقاع الجموع الغاضبة في ميدان التحرير وليس انتهاء بتنفيذ أفلام استمدت موضوعاتها من الحدث المزلزل، عرضتها مهرجانات سينمائية عديدة، الأمر لم يكن بحاجة إلى تأمل طويل، بل إلى انفعال آني يحاول أن يلم بالحدث..
هو نفسه الذي منحته إحدى القنوات الفضائية العربية جزءاً كبيراً من تغطيتها لانتفاضة الشباب في القاهرة لخالد يوسف للحديث عن بركان الغضب الذي غمر الشارع المصري ولم يكتفِ صاحب (حين ميسرة) و (الريس عمر حرب) و(هي فوضى) بالتعليق عما يحدث، بل كان مصدراً مهماً للمعلومة عندما أطلق صرخة تحذير لتعرض المتحف المصري للنهب، على أيدي الغوغاء الذين ركبوا موجة غضب الشباب الناقم على الاستبداد.
وربما لهذا السبب تجلى استلهام الحدث عبر الوثائقيات أو الأفلام القصيرة، التي لا شك ستكون خلفية مناسبة لرؤى صناع الأفلام في المستقبل، عندها تفرض الحاجة إلى أن يكون الروائي الطويل الإطار المناسب لسيرة الحدث..
قبله كانت مفيدة التلاتلي تؤدي قَسَم تسنم وزارة الثقافة في تونس في أول حكومة تبدد(صمت القصور)* بعد رحيل الدكتاتور مهزوماً في بلدها بفعل صرخات المحتجين على قمع أكثر من ربع قرن..وقبل هذا وتلك كان محسن مخملباف يمارس من باريس دور المتحدث باسم انتفاضة شباب طهران، ضد من حاول مصادرة حقهم في التعبير عن آرائهم..وآخر ما فعله السوري المشاكس عمر أميرالاي، قبل أن يتوجه شطر الأبدية، وقبلها بيومين وقّع على بيان مؤيد لثورة الشباب في وادي النيل.. وكأنه يستذكر لقطته الأولى التي وثقت انتفاضة الطلاب في باريس عام 1968 التي كان مشاركاً فيها.. أو كأنه يتوج رحلة إبداعه المضنية مع الرقابة، بأفلام لطالما أثارت حفيظة المؤسسة الرسمية..السينمائيون إذن.. كانوا هناك.. كانوا في قلب الحدث.. وهو أمر أكثر من طبيعي ذلك أن زوّادة السينمائي دائماً.، هي الحدث..وهو أفضل ما يتمثله ويعيد إنتاجه فناً.. ألم يصرخ خالد يوسف (ياما حذرنا من العشوائيات) وهو يشير إلى فيلمه المهم (حين ميسرة)الذي تناول الخطر الكامن في العشوائيات، كونها إحدى حواضن الإرهاب.وكان يضطر إلى اعتلاء سقوف المركبات يرصد بعينيه السينمائيتين حركة الحشود باتجاه ميدان التحرير. ألم يصرخ مخملباف انه بمشاركته في الانتفاضة الإيرانية، إنما يكمل مسيرة إبداعه..تتذكر هنا كيف ثأر سينمائيو هوليوود من مخرج عظيم مثل أيليا كازان عندما استقبلوا نبأ تكريمه في حفل الأوسكار بالصمت والاستهجان.. بعد خمسين عاماً من دوره الشائن كواش ٍ إبان المكارثية السيئة الصيت..المثقف السينمائي إذن هو أول من يتحسس نبض الشارع ويستجيب له.. مشاركاً فاعلاً، وموثقاً أميناً.. وفناناً حقيقياً.
ننتظر سينمائيينا كي يمنحوا فرصة أخرى لمن يريد أن يرسم صورتهم كمثقفين (غير مهزومين).
. * أحد أهم أفلام المخرجة التونسية