TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شناشيل: فساد العراق... المهمة المستحيلة

شناشيل: فساد العراق... المهمة المستحيلة

نشر في: 13 أكتوبر, 2019: 10:31 م

من أجل أن يبقى قلم الكاتب الراحل عدنان حسين حاضراً في المشهد العراقي، تعيد المدى نشر بعض "شناشيله" التي سلط من خلالها الضوء على الفساد الإداري والمالي ودافع عن قيم الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية.

 عدنان حسين

هل سيمرّ يوم على العراق ولا يكون فيه شحاذ أو حرامٍ محتال من النوع الذي يُضجّ بهم الآن من كل صنف في السنين الأخيرة؟
هذا السؤال له ما يبرّر طرحه، فالعراق من أكثر الدول العربية فساداً، ويبدو ضرباً من الأوهام البعيدة والتمنيات العزيزة للغاية ألا نرى وزيراً أو وكيلاً أو مديراً فاسداً، فالعراق يتربّع الآن على رأس الدول الأكثر فساداً في العالم، في الميادين المختلفة. وفي العراق لا فرق بين فاسد بعمامة وآخر من دونها... الكل مشارك في لعبة المسافات الطويلة من أجل المال والامتيازات! وسيحتاج العراق إلى وقت طويل ليكون بين الدول الأقل فساداً. الحكومة العراقية الحالية تبدي اهتماماً بالموضوع أكثر من غيرها، لكنها لم تتجاوز بعد الكلام. والمفترض، بحسب تصريحات المسؤولين، أنه بدءاً من الأسبوع المقبل ستبدأ خطة لمكافحة الفساد لا يثق بها إلا القليلون.
ومن الصعب جداً تصوّر العراق بلا فساد إداري ومالي... أي ألا يكون فيه وزير يأمر مديره بترتيب «الأمور»، أو مدير عام يتفاوض على حصته وحصة غيره من المال الحرام المقتطع من صفقة مليونية مثلاً، أو ألا تكون هناك جماعة سياسية قد تفاوضت مع غيرها من أجل منصب حكومي واشترته بكذا مليون من الدولارات ليسدد الثمن من الرواتب والمغانم، فهذه كلها مما يحسب في العراق الذي لم يزل القهر وخيبة الأمل فيه يقتلان أصحابهما، وعملياً فإن أغلب الوظائف والمناصب العليا موزعة على أساس الحصص الطائفية والقومية.
وقال عبد المهدي في مؤتمره الصحافي الأسبوع الماضي إنه «في الأسبوع المقبل أو الذي سيليه سنطرح مشروع مكافحة الفساد، وهذا المشروع سيضع النقاط على الحروف». المعني هنا على الأرجح أن الحملة ضد الفساد لن تتوقف عند أحد مهما كان موقعه ومنصبه، وهذا مما تثار الشكوك حوله، وهو ما يجعل الأمر غير قابل للتحقق، المشكلة في العراق لا تتمثل في عدم وجود فاسدين، إنما في وجودهم بكثرة، وكبار الفاسدين هم في العادة كبار المسؤولين في الدولة من وزراء ووكلاء ومديرين، وسواهم، وزعماء أحزاب وائتلافات وكتل، وهؤلاء لا يعملون ضد أنفسهم.
حساب الفاسدين في العراق غير معتاد، هم يسرقون على هواهم المليارات ومئات الملايين من الدولارات، لكنهم لا يرغبون في الإفصاح عن شخصياتهم وفضح أمورهم، أي واحد يكشف أمره فسيفكر بكشف آخر فاسد مقابله، فالجميع متوفرة لديه الوثائق الصحيحة والمزورة اللازمة للإدانة! والقاعدة الذهبية هنا: اسكت عني أسكت عنك. هذه كانت القاعدة لنهب ما يزيد على 6000 مليار دولار من أموال النفط العراقي منذ 2003 حتى الآن، كلها تقريباً راحت إلى حسابات مسؤولين حزبيين بدعوى أنهم ناضلوا ضد ديكتاتورية صدام حسين. والواقع أن بعضهم لم يناضل دقيقة واحدة في حياته، بل كان مع صدام حتى النهاية.
ليس عبد المهدي الرجل المناسب لهذه المهمة الصعبة، بل المستحيلة، كما تبدو، فهو ليس الأقوى بين أقرانه قادة الكتل والأحزاب الذين يمكن لهم في أي لحظة الاتفاق ضده.
ربما احتاج عبد المهدي إلى أن يفعل ما فعله غيره في البلدان الأخرى بأن يتفاهم مع الفاسدين ليعيدوا بعض الأموال المسروقة في مقابل إعفائهم من المسؤولية عنها، أو أن تجري جدولة الأموال المسروقة في صيغة ديون يحدَّد موعد لإعادتها، ويبدو أن هذه الفكرة قد طرحت بالفعل لكن لم يعرف بعد رد فعل المعنيين بها، وبعضهم سيقبل بها بالتأكيد لأنها توفر له فرصة نجاة.
أظن أن أفضل شيء أن يجري التوافق مع هؤلاء على إعادة الأموال التي نهبوها مقابل العفو عنهم كلياً أو جزئياً، على أن يرتبط أمر التسوية بحرمان الفاسدين من تولي مناصب حكومية وبرلمانية واقتصادية وتنفيذه لمدة عشر سنوات على الأقل. هذا لضمان ألا يخرج الحرامي من الباب ليدخل من الشباك.
العقبة الكبرى الأخرى هي قانون العفو العام، وهذا مما يلزم إعادة النظر فيه من أجل عدم السماح للقتلة والفاسدين بالإفلات من العقاب.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram