عدوية الهلالي
قالوا لنا (انتم شعب استساغ الظلم وسكت عن حكم الطاغية) فهللنا للمحتل وتركناه يخوض في دمائنا ويهتك اعراضنا و(يشفط) ثرواتنا لكي نتخلص من الديكتاتورية ونفتح ذراعينا للديمقراطية..
قالوا لنا (انتم شعب لاتفهمون معنى الديمقراطية ولابد لكم ان تؤيدوا الدستور الجديد لتثبتوا انكم تستحقونها).. لم تهمنا جميع بنود الدستور ولم نتمعن في خفاياه وما يحتويه من مواد عاد علينا اغلبها بالضرر فخرجنا وصوتنا واثبتنا لهم اننا نستحق تلك الديمقراطية.. قالوا لنا (ولى زمن الطغيان وتكميم الافواه فاخرجوا لتعبروا عن رفضكم ومطالبكم.. شاركوا في تظاهرات وارفعوا اصواتكم عاليا فنحن في زمن الحرية).. خرجنا لنتظاهر فالدستور يكفل حق التظاهر لكننا وقعنا ضحية الاجندات الخارجية فاستغلت تظاهراتنا ابشع استغلال، وعندما ادركنا بعد سنوات ان التظاهر خدعة كبرى اذا ماحركته احزاب او جهات معينة وقررنا ان نخرج في تظاهرات سلمية وعفوية لامحرك لها لنعبر عن معاناتنا ونصرخ طالبين رحمة الحكومة، قامت (قوات مكافحة الشعب) بنسف بند الدستور الذي يكفل حق تظاهرنا فكافحت الشعب بدلا من الشغب وخلفت وراءها دماء بريئة لونت ساحات التظاهر باحلام قتلت في مهدها..
قالوا لنا (افرحوا يامعشر الكتاب والصحفيين فقد صار بامكانكم ان تنتزعوا حقوق شعبكم بالكلمة وتقول افواهكم كل ماكان يختزن في صدوركم ويخشى عبور حاجز الشفتين او التمدد على ورقة بيضاء) فشحذنا الهمم لنملأ صفحات الصحف والفضائيات ثم شبكات التواصل الاجتماعي بآرائنا الجريئة ومقترحاتنا (الفايخة) لمحاربة الفساد وتنظيف البلد ممن شوه معالم الديمقراطية وخنق فرحتنا بولادتها، لكننا كوفئنا بتسجيل اعلى معدل بين الدول لاغتيال الصحفيين واصحاب الكلمة ولم تمر تظاهرة او مناسبة للتعبيرعن الرأي الذي كفله الدستور الا ودفع عدد من الكتاب والناشطين والاعلاميين ثمن تعبيرهم عن آرائهم مابين معتقل ومختطف ومقتول.. راجعنا فقرات الدستور فوجدنا انه يكفل لكل مواطن حق السكن والعمل.. لكننا اكتشفنا وبعد مرور اكثر من عقد ونصف ان نسبة المواطنين الذين لايملكون سقفا او عملا لائقا تتزايد وان العيش الكريم في العراق لم يعد متوفرا لأغلب ابنائه وانهم يتيهون الآن في الدول الغريبة بحثا عن لقمة عيش او لحظة استقرار وامان.. قالوا لنا اخيرا (انتم من يملك القدرة على التغيير.. اصواتكم هي اداة التغيير فشاركوا في الانتخابات وستغيرون من لم يثبت كفاءته)، خرجنا عدة مرات لنمنح اصواتنا فاكتشفنا ان من اختطف اصواتنا لم يكن يستحقها او انها ضاعت هباء وسط دوامة التزوير وصراع الاحزاب والكتل على السلطة!!
يبدو اذن ان "الحرية التي حلمنا بها ليست مجانية أبدا –كما تقول الكاتبة الزنجية توني موريسون – وان علينا ان نقاتل من أجلها ونتأكد من قدرتنا على التحكم بها".. هل يعني هذا ان طريقنا مازال طويلا وان امامنا الكثير من القتل والدم والتضحيات قبل أن نشعر بأننا بشر على ارض بلدنا واننا نستحق (الديمقراطية) التي وعدتنا بالكثير واخلفت وعدها.. ربما لأننا لانستحقها فعلا؟!!