تواصل المدى نشر الأعمدة الثقافية، والتي سبق وأن أرسلها الفنان الرائد الراحل سامي عبد الحميد إلى المدى، بغية النشر. والمدى إذ تنشر هذه الأعمدة تؤكد الحضور الثقافي الفاعل الذي كان يميز فناننا الكبير.
سامي عبد الحميد
في الآونة الأخيرة أطلق المسرحي (طلال هادي) مصطلح (المسرح البديل) الذي يصنعه هو هذه الأيام من تأليفه وإخراجه، والمسرح البديل الذي يدعو له (طلال) هو نوع من الكوميديا المفتعلة التي تحاول حشر مشاهد هزلية بين مشاهد جادة كما حدث في العمل الذي أخرجه وسماه (ماكو مثلنا) المقتبس عن الدراما الشهيرة (زيارة السيدة العجوز) للالماني دورنمات . لا يا سيدي ليس هذا هو المسرح البديل الذي لا يختلف عن عروض المسرح التجاري القائمة حالياً في بعض مسارح بغداد . إلا بشيء من الاحتشام والقليل من التبذل.
المسرح البديل يا سيدي ليس غير المسرح نفسه، المسرح بكل أنواعه الأدبية – التراجيديا والكوميديا والميلودراما والفالس ، وأنواعه الجمالية الكلاسيكي والكلاسيكي الجديد والرومانتيكي والواقعي والرمزي والتعبيري واللامعقول والوجودي والملحمي. ربما تكون (الواقعة) هي البديل الوحيد للمسرح والواقعة عبارة عن مجموعة من فنون الأداء تقدم على منصات عديدة داخل صالة كبيرة يمر المتفرج لمشاهدة العروض المتنوعة مثل التمثيل الصامت والاكروباتيك والرقص الشرقي والموسيقى والغناء وتستمر تلك العروض لساعات. وظهرت الواقعة لأول مرة في اميركا أواخر الخمسينيات من القرن العشرين وذلك تعبيراً عن عدم الرضا بالحدود التقليدية للمسرح. والواقعة اشبه بالكولاج الذي يخلط أنواع مختلفة من الفنون السمعية البصرية. وكان (جون كيج) هو المؤسس لظاهرة (الواقعة). وقدم (كيج) اول واقعة عام 1955 وكانت عبار ةعن رسوم لبوب وموشنبرغ) ورقص لميرس كينغهام. وافلام سينمائية ، استمرت العروض تلك لمدة 45 دققة، وللعلم فأن (الواقعة)* كظاهرة فنية جديدة لم تدم طويلاً إذ سرعان ما اختفت جاذبيتها. أما المسرح فقد كان وما زال حياً ومعرضاً للتجديد على مر الأيام .
في الآونة الأخيرة ظهرت تيارات مسرحية دخلت في خانة تجديد المسرح ومنها (مسرح ما بعد الحداثة) ومن مبدعيه (بوب ويلسون) و(ريجارد فورمان) ولكن أصحاب هذا المسرح لم يدعوا أن مسرحهم هو البديل بل هو المكمل أو المطور لمسرح الحداثة ومسرح ما قبل الحداثة، ومن الجدير بالذكر أن (مسرح ما بعد الحداثة) لم يظهر خلافاً تاماً مع المسرح الأصيل وأن الكثير من تقنياته مقتبسة عن التيارات المسرحية السابقة ومنها السوريالية. فما هي أوجه الاختلاف بين المسرح الأصيل والمسرح البديل؟ هل في مضامين نصوصه التي تتناول هموم المواطن وتطلعاته نحو الأفضل؟ وهذا هو شأن الفن المسرحي منذ القدم وحتى اليوم . هل في أشكال الفرجة التي تستهوي الجمهور وقد اشبعها المسرحيون الاصلاء والمجددون بحثاً وتطبيقاً . ربما يقصد المسرحي (طلال هادي) من مسرحه البديل أن يمسك العصا من الوسط لا من طرف واحد وهذا ما فعله عدد من المخرجين من قبل حين جمعوا في عروضهم المسرحية الهزل بالجد، وحتى (شكسبير) نفسه فعل ذلك حين أدخل مشهد البواب الهازل في مسرحيته الجادة التراجيدية ( ماكبث).
لا يا سيدي (طلال هادي) إن مسرحك ليس بديلاً واسألك هنا لمن هو بديل؟ هل للمسرح الجاد . صح لبعض العروض المسرحية التي تقدم هذه الأيام في بلدنا ولا يفهم منها المتفرج شيئاً . نعم قد يكون بديلاً لعروض المسرح التجاري المتبذل الذي يعج بالتفاهات والخلاعة وتشويه الإنسان وفيه تدنيس لقدسية المسرح وتشويه لرسالته النبيلة.