TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شناشيل: دولتهم.. ولا دولتنا

شناشيل: دولتهم.. ولا دولتنا

نشر في: 2 نوفمبر, 2019: 09:33 م

من أجل أن يبقى قلم الكاتب الراحل عدنان حسين حاضراً في المشهد العراقي، تعيد المدى نشر بعض "شناشيله" التي سلط من خلالها الضوء على الفساد الإداري والمالي ودافع عن قيم الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية.

 عدنان حسين

هل ثمّة فرق بين الدولة واللّادولة؟
لابدّ من فرق، بل فروق، فما من نقيض يناظر نقيضه ولا من مختلف يماثل مخالفه.
هنا، في هذه الصحيفة، استخدمنا كثيراً على مدى سنوات مصطلح "اللّادولة"، ونحن نتحدث عن الكيان الذي يدير السلطة في بلادنا ويتحكّم بمصير مجتمعنا منذ 2003 حتى الآن.
لم نكن مسرورين بهذا "الاكتشاف"، فنحن وسائر الناس في هذي البلاد، ندفع كلّ صباح ومساء أثماناً باهظة لغياب الدولة وحضور اللادولة. لو كانت لدينا دولة ما كانت مئات المآسي والفواجع قد حلّت بنا، ولا كانت تهدّدنا الآن أيضاً بالتفاقم إلى يوم قيام الدولة.
حركة الاحتجاجات المتواصلة منذ ثلاثة أسابيع بيان فصيح وشاهد صارخ على أننا في كيان لا دولة. دعونا من حدث الاحتجاجات الكبير المزلزل، وتعالوا نتملّى حدثاً "صغيراً":
بعد انطلاق الحركة الاحتجاجية من البصرة على خلفية أزمة الكهرباء المتفاقمة والمتكرّرة، أعلنت الكويت، بل هي دولة الكويت، أن أميرها قد أمر بنجدة الجار الشمالي في الحال بإرسال مولدات عملاقة وكميات من زيت الديزل اللازم لتشغيلها.
أمير الكويت أمر، وفي غضون أربع وعشرين ساعة كان رتل طويل من الشاحنات يقطع الطريق الدولية باتجاه منفذ العبدلي - سفوان الحدودي حاملاً 17 مولدة وزيت الديزل. عند المنفذ توقّف الرتل بكلّ ما يحمل من سلعة عزيزة تهفو إليها أنفس العراقيين. المنفذ فيه مركزان، كويتي وعراقي. الرتل اجتاز المركز الحدودي الكويتي بسلاسة، فيما حرنَ أياماً عند المركز العراقي، والحجّة أنّ المركز لا يستطيع السماح للبضاعة – الهديّة بدخول الأراضي العراقيّة وخرق السيادة الوطنية من دون دفع رسوم الجمارك!
هذا الحدث مثال للدولة واللادولة.. الكويت فيها دولة، قام جهازها الإداري بتنفيذ الأمر بنقل المولدات وزيتها الى العراق في الحال، بحسب ما أمر به رئيس الدولة، الأمير.. لم يتذرع أيّ من موظفي دولة الكويت المعنيّين بأي حجة لتعطيل الإرسالية والغرق في الروتين البيروقراطي، فجهاز الدولة هنا يعرف كل فرد فيه ما يتعيّن القيام به في مثل هذه الحال. في المقابل، على الجانب الآخر من الحدود كان الأمر مختلفاً تماماً.. رتل المولدات الهدية وزيتها يتعطل أياماً بينما الناس المهداة إليهم يكابدون المحنة مع الحرّ والظلام وانفجروا في انتفاضة وصلت أخبارها حتى الى الفضاء الخارجي، حيث يسبح العشرات من رواد الفضاء من جنسيات مختلفة في سفنهم لاكتشاف المزيد من أسرار الكون، فيما نحن في هذا الكيان الذي اسمه العراق وكان دولة رائدة في صنع الحضارة والمدنية لم نبلغ بعد مستوى الدولة المنتجة للكهرباء، برغم بحر النفط الذي تعوم أرضنا عليه.. السبب هو أنّ في هذا الكيان الذي اسمه العراق لا توجد دولة ولا هم يحزنون.. توجد لا دولة تديرها أحزاب وجماعات فاسدة، بينها وبين القواعد والنُّظم والقوانين التي تحكم الدولة وآليات عملهاعداوة صارت مزمنة الآن بعدما بلغ عمرها خمس عشرة سنة.
تمعّنوا قليلاً في الذي يحدث عندنا وقارنوه بما في أصغر جيراننا، الكويت التي تعرّضت ذات يوم لخطر ماحق بغزو صدام لها ومحاولته محوها من الخريطة ثم في غضون خمسة عشر شهراً أو أقل وليس خمس عشرة سنة، عادت كما كانت دولة قوية مهابة، بل أقوى من ذي قبل.. تمعّنوا لتدركوا الفرق بين الدولة واللّادولة..!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram