عدوية الهلالي
لللأطفال دائماً فلسفتهم الخاصة التي لايستقونها فقط مما يمنحه لهم الكبار من معارف بل من خيالاتهم وأحلامهم الطفولية البريئة والبسيطة ..
وأمام مايشهده الشارع العراقي من أحداث استثنائية كان للأطفال ردود فعلهم الخاصة ، فقد انتقلت إليهم عدوى الحماس والرغبة في تغيير شيء ما للأفضل ..استهواهم التغني بالوطن ورفع الأعلام والهتافات وترديد النشيد الوطني فشعروا بالرغبة في المشاركة وآلمتهم مشاهد الموت فشعروا بالنقمة على من كان السبب في حرمان شباب بعمر الورد من حياتهم ..
سألت ابنتي الصغيرة ذات الثماني سنوات عن سبب تأثرها بالتظاهرات وإن كانت تفهم مايجري فقالت إنها تشعر بالغيرة عندما تشاهد أفلاماً تصور حياة الأطفال في دول أخرى ..قالت إنها تحلم بمدارس أجمل وشوارع أنظف ..قالت إنها تكره المقارنة بين شوارع الدول المتقدمة عندما يصفها البعض ب(قطع البقلاوة) بينما يصفون شوارعنا بعد سقوط المطر وتراكم الطين ( بالنوتيللا) وإنها تتألم عندما ترى التلاميذ يخوضون في مياه المطر والوحل ليصلوا الى مدارس متهالكة وقديمة ..قالت بأنها تألمت أكثر عندما سألت زميلها الخامل في الصف عن سبب خموله ولماذا لايبذل جهداً أكبر في الدراسة ليحصل على درجات جيدة فأجابها إنه لايحب المدرسة لأن الشهادة لن تنفعه بشيء في المستقبل !!
لم يعد اطفالنا يتلقون معارفهم مما نقدمه لهم أو تقدمه لهم المدرسة بل باتوا يفهمون العالم من خلال اطلاعهم على وسائل التواصل الاجتماعي ومقارنتهم بين عالمهم والعوالم الأخرى ..بهذه الطريقة يستقبل العراق أجيالاً من اليافعين والشباب الرافضين في أعماقهم لأسلوب حياتهم التي ينقصها الكثير في نظرهم ..ولهذه الأسباب حملت تظاهراتهم سمة ( الثورة الشبابية ) ، ومن يفهم سيكولوجية الشباب جيداً، سيدرك حتما إنهم لن يتوقفوا وأن محاولة إخافتهم بالعنف ستضاعف من همتهم وتحدياتهم وحماستهم ، كما أنهم يجيدون لعبة العناد والإصرار فلايعرفون اليأس ولايأبهون للتعب وسيواصلون مابدأوه طالما شعروا بأن أصواتهم تجد لها صدى محلياً وعالمياً وانهم وجدوا أخيراً معنى لوجودهم وأملاً يستحق الكفاح من أجله ..إنه الوعي الذي يخشاه الكبار لأنه يقف وراء إطلاق الشرارة التي ستحرقهم ..ربما اطمأن المسؤولون طوال السنوات الفائتة الى انشغال أغلب الفتيان والشباب بماتقدمه لهم التكنولولجيا من توافه الأمور خاصة وإنهم امعنوا في تجهيلهم من خلال نظام تعليمي فاشل ، لكن التكنولوجيا ذاتها هي من وحدت بينهم ليطلقوا صرختهم ويعبروا عن مطالبهم ،ولأنهم يشعرون بالغيرة على بلدهم ويخجلون من تفوق الدول الأخرى عليه ويريدون له الأفضل ، فاعلموا إنهم لن يتوقفوا لأنهم شعروا ولأول مرة بأنهم أدوات فاعلة في المجتمع وإن التغيير لابد وأن يحدث بأيديهم ..