TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > نافذة من موسكو..مفارقات الحالة العراقية

نافذة من موسكو..مفارقات الحالة العراقية

نشر في: 12 نوفمبر, 2019: 08:45 ص

 د. فالح الحمـراني

المفارقة الكبرى أن العراق كواحدة من أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم، يتخلف بشكل كبير عن جيرانه في الخليج، من حيث تطوير البنية التحتية ومستوى المعيشة ونوعية الحياة.

وفي حين أن الشباب يشكلون غالبية سكان البلاد، فإن 25٪ من العراقيين دون سن الثلاثين عاطلون عن العمل. يضاف إلى ذلك عدم وصول الكهرباء ومياه الشرب النقية والخدمات الأساسية، الى جزء كبير من السكان.

عند تحليل ما يحدث في العراق، لفت بعض المراقبين النظر إلى حقيقة إنه ولأول مرة منذ عام 2003 ، بدأت قوة جديدة تظهر في شوارع العراق وساحاته، غير مرتبطة بأي كتلة برلمانية أو أي حزب سياسي أو طرف آخر. إتحد عشرات الآلاف من الشباب العراقي تلقائياً في نهاية شهر تشرين الأول، وطالبوا رسمياً رحيل جميع الموجدين في السلطة، كلهم دون استثناء. ولم يتنبأ أحد اليوم ما الذي ستؤدي إليه هذه العملية ومن سيقودها. إن احتمالات حل الأزمة السياسية في العراق، التي كانت واحدة من أكثر الدول العربية نفوذاً، والتي شهد خلال خمسة عشر عاماً من عدم الاستقرار والحروب الأهلية، في الوقت الحالي غير واضحة. وتتفاقم الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الفساد على نطاق واسع والحكم غير الفعال بسبب صراع الأحزاب والجماعات العرقية، مسترشدة بمصالحها الأنانية.

إن التاريخ لا يسير بصورة مستقيمة، ولا دائماً ارتقائية، وهو – موضوعياً - معرض للانتكاسة والمطبات، ولم تتمكن المؤسسة الحاكمة في العراق منذ 2003 من إخراج التطور العراقي من انتكاسته التاريخية، والسير به في الطريق الصحيح، الطريق الذي يتطلع له سكان العراق بكل مكوناتهم، ولذلك خرجو اليوم عن بكرة أبيهم في معظم أجزاء البلاد ،احتجاجاً على مضي النظام الحاكم بنفس الطرق والوسائل التي سارت عليها الأنظمة السابقة، حيث غياب العدالة واستشراء الفساد والبطالة وانعدام الخدمات، واستفادة فئة ضيقة وبأساليب متنوعة من موارد الدولة، وتشكيل حكومات ( يمتد الصراع على المناصب التي تتحكم بالموارد المالية، خلف الكواليس على تشكيلها لفترات طويلة)، ليس لخدمة البلاد بل للسير في ركاب بعض النخب والبطانات التي شكلت لها مليشيات وتشكيلات مسلحة، لأستخدامها ضد الشعب عندما يخرج للمطالبة بحقوقه المشروعة. 

أسباب الاحتجاجات العراقية معروفة، ترجع الى نشوء تفاوت اجتماعي حادة في البلاد. فإلى جانب الفقر الذي يعيشه معظم العراقيين، جمعت النخبة السياسية الفاسدة لنفسها ثروة ضخمة على حساب مصائب البلاد. ووفقاً لمنظمة الشفافية الدولية، منذ عام 2004، تم تهريب 450 مليار دولار من رأس المال. ويحتل العراق المرتبة 12 في التصنيف الدولي للفساد. 

ومن مفارقات الحالة العراقية يلاحظ الخبراء عند تحليل الوضع في المترتب في بلدنا، أن البيانات الموضوعية عن نمو الاقتصاد العراقي هذا العام تتناقض بوضوح مع الاضطرابات الاجتماعية في البلاد. فوفقًا لخبراء البنك الدولي، بعد ركود دام عامين، ولأول مرة في عام 2019 ، يظهر الاقتصاد العراقي علامات على الانتعاش، ويبدو أن فضائل الانتعاش تصب وحسب في جيوب النخبة الحاكمة والبطانات المحيطة بها، وليس للتطوير الاقتصادي وتحسين المستوى المعيش للمجتمع. فقط في النصف الأول من هذا العام، نما الناتج المحلي الإجمالي للعراق بنسبة 4.8 ٪ ، واسترد جزئياً الخسائر الاقتصادية التي تعرض لها في 2017-2018 . علاوة على ذلك، حقق الاقتصاد العراقي هذا النمو المذهل ليس فقط بسبب قطاع النفط. فقد تبين أن نمو القطاع غير النفطي للاقتصاد كبير أيضاً - حيث بلغ 5.6٪ في النصف الأول من عام 2019 . وقد تحقق ذلك نتيجة لزيادة إنتاج الكهرباء والمنتجات الزراعية ، فضلاً عن نجاح السياسات المالية والضريبية للحكومة ، مما كفل زيادة الإيرادات الضريبية. وسمحت أسعار النفط المواتية في العالم لبغداد بزيادة الأجور وزيادة الاستهلاك في البلاد في الأشهر الأخيرة، ولكن المواطن العادي لم يشعر باي تحسن في حياته على خلفية تلك النتائج.

والمفارقة التالية أن الحكومة تقول إن العراق في وضع اقتصادي صعب بسبب الحروب وانخفاض أسعار النفط، ويحتاج إلى مساعدة مالية لبناء الطرق والجسور والإسكان والمدارس. لذلك ، "يسعى العراق إلى إبرام اتفاقيات مع الدول المانحة حول تنفيذ مشاريع في مجال بناء البنية التحتية: الطرق والسكك الحديدية والجسور والإسكان والمدارس". ويتمثل الدور السلبي في مشاكل عجز الموازنة والنفقات المتزايدة للميزانية الوطنية، والوضع المتقلب المستمر في أسواق النفط العالمية. والقفز على أسعار النفط يقوض أساساً السياسة الاجتماعية للحكومة، مما يضطرها إلى الحد من برامج المساعدة الاجتماعية والتصرف بشكل غير متسق. وهذا بدوره يؤدي إلى رد فعل سلبي من المجتمع ويمتد إلى مزاج الاحتجاج ". بالإضافة إلى ذلك ، يمكن للتقلبات في قطاع النفط تقويض ديناميات النمو الإيجابية في قطاعي الكهرباء والزراعة ، والتي قد تحرم الدولة من البترودولارات والموارد المجانية للاستثمار في هذه القطاعات وإبطاء إعادة إعمارها. "إن الأثر السلبي لهذا التطور هو ارتفاع معدلات البطالة وضربة لأسواق العمل - سوف تتأثر الفئات الاجتماعية الضعيفة من السكان ، مثل النساء والأطفال ، بشكل خاص. فقط من خلال عائدات النفط ، ستنجح الحكومة - في ظل عدم وجود اهتمام كبير من المستثمرين الأجانب - لتغذية القطاعات الأخرى والاستثمار في تطوير برامج بشرية محتملة وخلق فرص عمل جديدة. 

وبلغت صادرات النفط من العراق في أكتوبر 2019 3.447 مليون برميل ، في سبتمبر - 3.576 مليون برميل. وبلغت أرباح صناعة النفط الشهر الماضي 6.107 مليار دولار.

عنصر خطر خطير بالنسبة للاقتصاد العراقي في 2020-2021. سوف يصبح عامل من النازحين داخليا. لتقليل التهديد للأمن الشخصي ، أصبحت عودة اللاجئين الداخليين إلى أماكن إقامتهم الدائمة على نطاق واسع. "تطرح هذه العملية تحديات طبيعية ، تتطلب من الحكومة إتباع سياسات اجتماعية مستهدفة لضمان الحماية الاجتماعية لهذه الفئة وتسهيل التكيف العكسي لها. تخلق عملية الإعادة إلى الوطن عبئًا إضافياً كبيراً على أسواق العمل في المجتمعات المحلية حيث يعود العائدون إلى هناك ويتطلبون تدابير وقائية لإيجاد وظائف وظروف عمل جديدة للمهاجرين السابقين من أجل دمجهم بالكامل في النظام الاقتصادي للبلاد. "

وكل هذا يبرهن على تخبط مؤسسات الدولة، الذي انعكس على الأوضاع السياسية والاجتماعية، و تدهور الوضع في العراق بشكل حاد في أكتوبر 2019 ، بسبب الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة والاضطرابات التي اجتاحت بغداد وكانت تسكنها بشكل أساسي المحافظات الشيعية جنوب العاصمة (كانت المحافظات العربية السنية مغطاة جزئياً بالاحتجاجات). طالب المتظاهرون باستقالة الحكومة الحالية ، وعقد انتخابات مبكرة لمجلس النواب (البرلمان) ، وعارضوا الظروف المعيشية غير المرضية والخدمات ، والبطالة والفساد العام في هيئات الدولة. على الرغم من الإجراءات الصارمة التي اتخذتها السلطات والوعود بإجراء إصلاحات ، لم تتمكن الحكومة من استقرار الوضع حتى نهاية الشهر الماضي. ظل الوضع الأمني صعباً. في عدد من مناطق العراق ، لا سيما في شمالي وغربي البلاد، وما زالت عصابات الدولة الإسلامية المتبقية غير المهزومة تعمل. وهناك مخاطر جدية من تورط أو توريط العراق في النزاعات المتعلقة بالوضع في البلدان المجاورة (سوريا ، إيران). إن كل هذا يبرهن على ضرورة إعادة النظر في أسس العملية السياسية والمرتكزات والنظريات التي قامت عليها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram