من أجل أن يبقى قلم الكاتب الراحل عدنان حسين حاضراً في المشهد العراقي، تعيد المدى نشر بعض "شناشيله" التي سلط من خلالها الضوء على الفساد الإداري والمالي ودافع عن قيم الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية.
عدنان حسين
لماذا يجب ويتعيّن، ولابدّ ولا مناص من، منع المشمولين بقانون العفو العام (رقم 27 لسنة 2016) وتعديلاته من الترشّح إلى الانتخابات، برلمانية كانت أم محلية؟
ينبغي أن نعرف أولاً كيف صدر هذا القانون الذي لا مثيل له في العالم من حيث طبيعة الجرائم الخطيرة التي هو يعفو مرتكبيها من العقاب المتوجّب في حقّهم.. مجلس النواب لم يشرّع القانون، لأنّ عشرات الآلاف من الناس قد تقدّموا إليه بالعرائض أو نزلوا إلى الشوارع والساحات في تظاهرات صاخبة طوّقت مبنى المجلس ومقرّ الحكومة كتلك التي حصلت في العام ذاته وفي العام الذي سبقه مطالبةً بتحقيق تعهّدات المجلس والحكومة بالإصلاح السياسي ومكافحة الفساد الإداري والمالي وتوفير الخدمات العامة. القانون كان من نتاج اجتماعات مُغلقة في المنطقة الخضراء، المعروفة شعبياً بالغبراء، بين قادة الكتل المتنفّذه في السلطة منذ 2003 ومساعديهم.
الاجتماعات تلك توافقت فيها إرادات كتل (شيعية في الغالب) لديها فاسدون كثيرون تلاحقهم هيئة النزاهة والقضاء، أو يُحاكمون أو صدرت في حقّهم أحكام عن فسادهم، وكتل (سنّية في الغالب) لديها إرهابيون يلاحقهم جهاز الادعاء العام (إنْ كان له وجود..! أعني الوجود الفاعل) أو يُحاكَمون أو قد حُكِم عليهم بالفعل عن ضلوعهم في الإرهاب مباشرة، أو مداورة بالتمويل أو التحريض أو التخطيط أو بتقديم الدعم اللوجستي.
ما توافقتْ عليه اجتماعات المنطقة الخضراء (الغبراء)، أنْ يسِنَّ مجلس النواب الذي هو مجلس الكتل المتنفّذة بالأغلبيّة الساحقة، قانوناً للعفو عن الفاسدين (الشيعة في الغالب) وعن الإرهابيين (السُنّة في الغالب).. التوافق والقانون الناجم عنه لم يكونا لوجه الله أو كرمى لعيون الشعب العراقي، فكبار الفاسدين وكبار الإرهابيين، بل حتى صغارهم، هم من عناصر هذه الكتل المتنفذة، وبعضهم من قياداتها العليا، وعمليات الفساد والإرهاب المحكومون عنها أو المتّهمون بها كانت جميعاً مُسَخّرة لخدمة مصالح هذه الكتل.
لهذه الوقائع والحيثيات والأسباب يتعيّن ويجب أن يُمنع المحكومون في قضايا الفساد والإرهاب منعاً باتّاً من الترشّح الى الانتخاب حتى لو كانوا مشمولين بأحكام قانون العفو العام، فالنيابة خدمة عامة من الصنف الممتاز للغاية، وهذه لا يؤديها على النحو الصحيح والسليم إلّا مَنْ كان نظيفاً تماماً من كل جناية وجنحة، وبخاصة المخلّة بالشرف، وجرائم الفساد والإرهاب في مقدّم الجرائم المخلّة بالشرف التي تحظر القوانين العراقية توظيف مرتكبيها في أجهزة الدولة، حتى في الوظائف الدنيا.
السماح للإرهابيين والفاسدين بالترشُّح إلى الانتخابات، وبالتالي تولّي مناصب سيادية، جريمة كبرى اجتماعية ووطنية.. إنه يعيد الاعتبار للفساد والإرهاب وللفاسدين والإرهابيين، بل هو يشجّع على المزيد من الفساد والإرهاب ويدمّر كلّ جهد لمكافحتهما ... أم إنني على خطأ وضلال؟!