طالب عبد العزيز
تخلو أدبيات الاحزاب الاسلامية، بشقيها السنّي والشيعي من مفردة (وطن) لذا توجب علينا جميعاً، متظاهرين ومعتصمين وشعباً،
أن لا نأمل منهم ما لا وجود له في دساتيرهم، فهم لا يفهمون أدنى معاني الوطنية، وهي غائبة تماماً في نفوسهم. الوطن بمفهومه لدينا، نحن أبناءه، شيء مقدس وكبير أمّا هم فلا يعنيهم أمره بشيء.
كنت أردد الجملة هذه مع نفسي وأنا ألتقي أحد الشباب البصريين، الذين خرجوا يوم 25 تشرين أول الماضي، والذي فقد عينه اليمنى برصاص أحد أعضاء أحزاب السلطة الاسلامية، في ساحة التحرير، ببغداد. لم أجده حزيناً عليها أكثر من حزنه على زميله، الذي لا يعرف اسمه، أو من أي مدينة جاء. يقول: لقد تلقى البطلُ الضربة عني، فقد تصدى للرصاص الذي طاش من بندقية أحد رجال الأمن قبلي، فاستشهد، قبل أن يصل المستشفى، أنا حزين لفقده، مع أنني فقدت عيني، تمزقت الشبكية، ولا أمل لي بعلاجها، بحسب الأطباء، لكني عائد لساحة التحرير آخذ بثأره باسترداد وطنه قريباً.
ما لا يعلمه زعماء الأحزاب الاسلامية أنّ ساحة التحرير وساحات التظاهر في المدن العراقية تعج بالآلاف من مثل الرجل، الذي رأيت أن كلمة (بطل) قليلة بحقه والله، هؤلاء، هم من تكبر مفردة الوطن في قلوبهم، فيصبح العراق قارة بأعينهم، ولا يجدون معادلاً له إلا الحرية والعيش الكريم، بعيداً عن خزعبلات وأساطير الخائبين، الذين فضحت أميركا، ربيبتهم، وعبر وسائل إعلامها زيف معتقداتهم، وحجم العمالة والدناءة التي هم عليها، هؤلاء، الذين ما زال الكثير منهم يعلن جهاراً نهاراً ارتباطه بإيران، التي لم يجنِ العراق من وجودها، عبر شبكة عملائها سوى الخراب.
كان عبد الكريم قاسم وطنياً وعراقياً خالصاً، أحبه شعبه، ووقف الى جانبه الوطنيون العراقيون، من شيوعيين وغيرهم، ولم يستطع خصومه القوميون والناصريون والبعثيون أن يتهموه بالخيانة أو العمالة لأحد، لذا تآمر عليه دعاة القومية ورجال الحرس القومي والبعثيون باستثمار موقف الشخصية الدينية المعروفة(م.أ) في النجف آنذاك، ومن خلال الفتوى الشهيرة : (الشيوعية كفر وإلحاد) والتوسط، قبل ذلك، عند عبد الناصر للسيد قطب، منظّر حركة الإخوان، المعروفة بكونها صناعة مخابراتية أميركية.
وبخلاصة تاريخية واضحة، فإن الدرس السياسي في العراق يمنحنا فرصة لنقول بأن الوطنية غرس لا يستطيبه (القوميون العراقيون) ولا (الإسلاميون العراقيون) على حد سواء، فالقوميون من سنّة العراق هم مصريون أكثر من المصريين أنفسهم، والإسلاميون من شيعة العراق إيرانيون أكثر من الايرانيين انفسهم. وبهذه المعادلة فقد العراقيون وطنهم الحقيقي، عبر متوالية الحكم القومي- الإسلامي، أما لحظات الشعور بالوطنية الحقة، فلم ينعم بها العراقي إلا سنوات قليلة.
الشباب الوطني والغيور على عراقه، في ساحات التظاهر، وحدهم من بات يفهم المعادلة هذه، وأي تجيير إسلامي أو قومي لها سيفقدها جوهرها، ويعود بها الى مربع اللاوطنية الأول. كل دعوى خارج معيار الوطنية باطلة، لذا جاء خطابهم العفوي(نريد وطن) تعبيراً عن حقيقة ما نحن بحاجته. هناك وطن(عراق) مسلوب منذ عقود، ابتدأت بحقبة الأخوين عارف والبكر وصدام حسين ولم تنته بحزب الدعوة الإسلامي والمجلس والتيار والإخوان ووو.