عدنان حسين وداعاً
بهذا المقال تختتم المدى سلسلة مقالات الراحل الكبير عدنان حسين الذي يصادف أمس مرور اربعين يوماً على رحيله وستبقى ذكراه حاضرة.
عدنان حسين
مطلوب مساءلة قادة الكتل التي ينتمي إليها مسؤولو الدولة الكبار المدانون بجريمة الفساد الإداري والمالي، وإلزامهم بردّ الأموال المنهوبة التي فرّ بها المسؤولون، وهم في الغالب من ثنائيي الجنسية.
الدعوة لها وجاهتها، فالمفروض أن قيادات الاحزاب والقوى السياسية التي ترشّح عناصرها لشغل الوظائف العامة تتحمل المسؤولية الأخلاقية، فضلاً عن السياسية، عن سوء اختيارها. مسؤوليتها مضاعفة في الواقع فإلى جانب اختيارها عنصراً غير مناسب لشغل الوظيفة فإنها تكون قد حالت دون وصول شخص آخر، مناسب، نزيه وكفء.
المشكلة مع فكرة مساءلة القيادات السياسية عن فساد عناصرها المتولّية وظائف عامة رفيعة، أن الأمر لا يتعلق بشخص واحد أو اثنين أو عشرة أو حتى مئة، فالمسؤولون الكبار الثابتة عليهم قضائياً تهمة الفساد بالعشرات، والمسؤولون الكبار المتهمون بالفساد بالمئات، وهذا ما تبيّنه التقارير الدورية لهيئة النزاهة، وكذا الاحكام القضائية الصادرة في حقّ المدانين منهم، ومعظمها أحكام غيابية، لأن الكبار يعرفون كيف يتوارون عن الأنظار ويفرّون من البلاد في اللحظة المناسبة، كما فعل المحافظ السابق البصرة ماجد النصراوي.
والمشكلة أن هؤلاء المسؤولين الكبار المدانين أو المتهمين موزعون على الأحزاب والكتل الكبيرة المتنفّذة في الدولة، الشيعية والسنية والكردية. هذه الكتل والأحزاب في أيديها كل شيء.. هي التي تشرّع القوانين الضامنة لمصالحها ومصالح قياداتها، وهي التي تنفّذ القوانين، وهي التي لا تشرّع القوانين المناهضة لمصالحها، وهي التي لا تنفّذ القوانين عندما تجد أن التنفيذ يتعارض مع مصالحها.
والمشكلة أن القيادات الحزبية التي ترشّح عناصرها لشغل الوظائف العليا في الدولة، شريكة على نحو مباشر في فساد هذه العناصر. هي تعرف فساد عناصرها، وما يستحوذ عليه الفاسدون تذهب الحصة الأكبر منه إلى القيادات الحزبية مباشرة أو عبر اللجان الاقتصادية التي تدير عمليات الفساد داخل جهاز الدولة لصالح الاحزاب والقيادات المتنفّذة.
المطالبون بمساءلة القيادات الحزبية عن فساد عناصرها أيسر عليهم نيل النجوم بأيديهم من تحقّق ما يطالبون به. هذه القيادات لم نسمع منها يوماً تنديداً بفساد عناصرها وتبرّؤاً منهم، ولم نسمع منها يوماً اعتذاراً عن هذا الفساد، فكيف سترضى بمساءلتها؟
أكثر من هذا ان هذه القيادات مصرّة على الإبقاء على كل ما يؤمّن لها فسادها وفاسديها.. قانون انتخابات مجالس المحافظات المطروح حالياً دليل.. التمسّك بتشكيل مفوضية انتخابات جديدة على وفق نظام المحاصصة دليل.... فعل الشيء نفسه في ما يتعلق بمفوضية حقوق الانسان وبمجلس الخدمة الاتحادي دليل.
الفساد الإداري والمالي قرين نظام المحاصصة.. لا نهاية للفساد مع بقاء المحاصصة، والمحاصصة لا تنتهي إلا بتشريع قانون انتخابي عادل ومنصف وتشكيل مفوضية انتخابات مستقلّة ونزيهة... هذا ما يتعيّن التركيز عليه.