TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: أراذلُ العملاء !

قناديل: أراذلُ العملاء !

نشر في: 23 نوفمبر, 2019: 08:11 م

 لطفية الدليمي

ليزلي غروفز - لمن لم يسمع باسمه - هو جنرال مهندس أمريكي ، عُرف عنه مساهمته في العديد من المشاريع الأمريكية التي صارت معالم مميزة ومنها مبنى وزارة الدفاع ( البنتاغون ) ،

فضلاً عن كونه المدير الإداري والعسكري لمشروع منهاتن الذي عُهِد إليه تصنيع واختبار القنبلة الذرية الأولى في تأريخ البشرية . نشر الجنرال غروفز أواسط خمسينيات القرن الماضي مذكراته بشأن مشروع منهاتن ، وثمة في هذه المذكرات فقرة شديدة الأهمية يقول فيها غروفز أنه كان يستقبل أكابر العلماء الملتحقين بالمشروع بكثير من الحفاوة التي عُرِفت عنه وجعلته الجنرال المنتخب لإدارة هذا المشروع بالمقارنة مع الجنرالات الغلاظ الآخرين ؛ لكنه بعد إنتهاء المراسم الإحتفائية كان يعمد إلى الحديث المباشر والصريح غير المخاتل ومن غير أية مسالك إلتفافية : " سيدي الدكتور ( ...... ) ، إنّ كل ماستقوم به أو تسمعه من معلومات في هذا المكان هو عمل ذو طبيعة شديدة السرية ويستلزم أعلى درجات الكتمان لكونه يرتبط بالأمن القومي الأمريكي ، ولو حصل أن كنتَ طرفاً في تسريب أي من هذه المعلومات لأي طرف كان - حتى لو كان حليفاً من حلفائنا - فسأحرص بنفسي أن أراك مشوياً على الكرسي الكهربائي ! " .

هكذا هي الدول المحترمة ، وهكذا تتعامل هذه الدول مع أسرارها العليا بصرف النظر عن طبيعة نظامها السياسي سواء أكان ديمقراطياً أم شمولياً ، ليس صحيحا تصوّرنا أن شيوع موجات العولمة المتتالية وسيادة الأسواق الحرة يمكن أن تجعل الدول تتهاون في أمر الحفاظ على أسرارها القومية العليا التي تمثل بالتالي مصالحها الإقتصادية والمالية في نهاية المطاف . 

غريبٌ هو أمر هؤلاء الذين أمسكوا بحكم العراق - عسفاً وبهتاناً - منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا . هم عملاء بلا أدنى شك ؛ لكنهم يختلفون عن العملاء التقليديين من حيث أنهم جعلوا العمالة ثقافة سائدة بين أوساطهم وحوّلوها إلى نوع من السمسرة رخيصة الثمن إلى حد صاروا معه هزأة للعالمين . هل رأيتم رؤساء وزارات يجعلون من الإحتياطيات النقدية لمصرف بلادهم المركزي وديعة مجيّرة للآخرين تحت ذرائع فقهية شتى ، ونحن نعلم كم هي هذه الذرائع الفقهية دنيئة وخسيسة ويسهل تكييفها بحسب الأهواء والميول المريضة ؟ طبعاً لاشيء من هذا بغريب على ثلّة من المنحرفين الذين يرون في المال العام ( مالاً مجهول النسب ) يمكن إستباحته من غير أية وخزة في الضمير ؟ هل رأيتم في العالم وزراء يسمسرون على مصالح بلادهم لقاء ( حقيبة ) دولارات ؟ لم يكفهم ماانتهبوه من أموال العراق فراحوا يقايضون مصالحه بحفنات إضافية من الأوراق الخُضر . الكلّ مشتركون في هذه اللعبة الخسيسة ولااستثناء لأي منهم . 

ماأصل هذه الثقافة المدمّرة للبلدان ؟ الأصل واحد دوماً : النظر إلى العولمة المذهبية واعتبارها عابرة للوطن والمصالح الوطنية . إنها ثقافة دمّرت العراق وحان وقت ( قطافها ) هي وأصحابها الذين لم يتعلّموا في حياتهم شيئاً مفيداً سوى النميمة والسرقة وكراهية العراق بدفعٍ من مرويات تأريخية بالية ، ولو دققنا في وجوه هؤلاء سنرى أي ظلم شنيع حاق بالعراق والعراقيين إذ تحكّمت هذه الوجوه الشائهة ببلد عظيم يستحق أن يكون ياباناً في الشرق الأوسط كما كتبت في مقالة سابقة . 

صبراً جميلاً ياعراق ، لقد حانت لحظة الخلاص ، وليس لأراذل العملاء من مصير أفضل من المصير الذي أعدّه الجنرال غروفز للخونة !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: صنع في العراق

 علي حسين اخبرنا الشيخ همام حمودي" مشكورا " ان العراقي يعيش حاله من الرفاهيه يلبس أرقى الملابس وعنده نقال ايفون وراتبه جيد جدآ ، فماذا يحتاج بعد كل هذه الرفاهية. وجميل أن تتزامن...
علي حسين

قناطر: في البصرة.. هذا الكعك من ذاك العجين

طالب عبد العزيز كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية....
طالب عبد العزيز

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. من يكون رئيس الوزراء؟

إياد العنبر يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة...
اياد العنبر

هل الكاتب مرآةً كاشفة للحقيقة؟

عبد الكريم البليخ لم يكن الكاتب، في جوهره، مجرد ناسخ أو راوٍ، بل كان شاهداً. الشاهد على لحظةٍ تاريخية، على مأساةٍ إنسانية، على حلمٍ جماعي، وعلى جرحٍ فردي. والكاتب الحقيقي، عبر العصور، هو ذاك...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram