عدوية الهلالي
في أحيان كثيرة، يكون الصمت ابلغ من الكلام واكثر حماية لبعض (المغردين) او (المصرحين) من اراقة ماء وجوههم التي فقدت لونها واصفرت واكفهرت منذ أن امتلأ الشارع العراقي بمن يطالب بمحو هذه الوجوه من الخارطة السياسية والى الابد..
فمع تصاعد الاحداث بشكل خطير ومربك بعد مجزرة قتل المتظاهرين في محافظتي ذي قار والنجف ثم مطالبة عشائر الشهداء بالثأر لهم وتعاقب مجموعة من الاستقالات والاقالات والمحاكمات والاعفاءات ابرزها بالتأكيد استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي التي رقص لها البعض طربا واعتبرها البعض الآخر محاولة متأخرة لتهدئة الاوضاع وخطوة غير كافية لاسكات المتظاهرين الذين اكدوا بانهم لم يخرجوا لاسقاط عبد المهدي بل لتصحيح مسار العملية السياسية برمتها وازالة الطبقة الحاكمة الفاسدة ومحاكمتها، مع كل هذه الاحداث الخطيرة المتسارعة، لايخجل بعض المسؤولين من اطلاق تصريحات لا تتناسب مع ماضيهم السياسي فمنهم من يدعو الى انتخابات مبكرة مبشرا نفسه ربما بالحصول على منصب لم يحالفه الحظ في الدورات السابقة بالوصول اليه، ومنهم من يدعو الى قيام حكومة طوارئ ليتفرج من بعيد على منافسيه وهم يتساقطون ويدفعون ثمن (شطحاتهم) السياسية، لكن الأدهى والأمر كان ذلك المسؤول الذي ركب الموجة متأخرا فاعتبر التظاهرات ارادة تغيير سلمية انتصرت على (الانحراف) مبشرا المتظاهرين بأن الايام الصعبة انتهت!!
المشكلة انه يجهل أو يتجاهل حقيقة مهمة وهي ان اصعب الايام كانت ايامه وان الانحراف الذي لا يخجل من وضعه بين قوسين شهد أعلى معدلاته في زمنه، ثم يأتي مسؤول آخر فيعلن انسحابه من العملية السياسية واصفا اياها بـ(الدموية).. أية اراقة لماء الوجه اكثر من هذه التصريحات والتغريدات المخجلة وهل يظن هؤلاء المسؤولون انهم مازالوا يمتلكون نفس رصيدهم من المؤيدين ومن يسمع لهم ويثني على تصريحاتهم ويؤمن بها؟!
الطريف في الأمر ان الأحداث تشير بوضوح الى ان الساحة لم تعد لهم وان اللاعبين الجدد من الشباب الواعي والمتحمس مؤمنون بضرورة تغيير كل الوجوه خاصة بعد اطلاقها بيانات تحدد ملامح الشخصيات السياسية المقبلة لاسيما رئيس الوزراء الذي يشترطون فيه الشجاعة والحزم والقدرة على مواجهة حيتان الفساد وهي صفات لايمتلكها اي منهم بل ان دورهم في اللعبة المقبلة لن يكون قياديا لأنهم يمثلون الطبقة الفاسدة التي يطالب المتظاهرون بازاحتها ومحاكمتها، ولكي لايراق دم عراقي جديد ولاتذهب الدماء التي اريقت سدى فلابد ان يعتلي سدة الحكم من لم يشغل منصبا قبل الآن او ينتمي الى الطبقة السياسية ومنذ عام 2003 ، فعلى من لا تتوفر فيه تلك الشروط ان يكف عن التغريد والتصريح وان يتسلح بالصمت ويبتعد بانتظار ماستستفر عنه المرحلة المقبلة فقد يكون من المتهمين او المطلوبين للعدالة وفي أحسن الاحوال قد يكون من الوجوه المستهلكة التي لم تقدم شيئا للناس، وفي هذه الحالة أيضا سيكون صمته أفضل من محاولته ركوب الموجة متأخرا او تفكيره بأنه مازال نجما ساطعا في سماء السياسة فالساحة على الاغلب لم تعد ساحته وعليه ان ينسحب.. وبصمت..