طالب عبد العزيز
لا يمكن النظر الى الثورة العراقية اليوم من باب جموع المتظاهرين والمعتصمين في ساحة التحرير وساحات المدن الاخرى فقط، نعم، إنهم شعلتها الاولى، وضوؤها المشع،
ولن نبلغ بما نكتب دمعة واحدة، سالت بفعل الغاز المسيل للدموع، مثلما لن نبلغ بكتاباتنا معنى قطرة الدم التي نزفت من جرح شهيد فيها، وهذه حقيقة كبرى، لا يملك الحجة من يزايد عليها، إلا أنَّ نظرةً لما كُتبَ ودُوّنَ ورُسمَ وتزامن مع فعل الابطال هؤلاء، لا يمكن إلا أن تكون منصفةً.
في كل حراك ثوري للشباب نشهد تظافراً مسانداً له من قطاعات واسعة، في المدن والارياف والضواحي النائية، بل ومن الذين يعيشون خارج البلاد ايضاَ. نعم، الشباب محرك الثورات الاول في العالم، لكنَّ المشاركة تاتي من الجميع، وما نعيشه في المدن العراقية خير دليل على ذلك، وقد فعل أولادي في الساحات ما يليق بالشباب الواعي الحر.
هناك من يعيب على بعض المثقفين عدم تواجدهم في الساحات، مع أن الكثير منهم وقف وهتف وتعرض لما تعرض له المتظاهر الشاب، وهناك من آثر المشاركة بوجوده الفعلي، لكن دونما التقاط صورة له، ولدينا الكثير من الامثلة، وليس بقليل عدد الذين شاركوا عبر كتاباتهم. لكننا، هنا بصدد تناول الفعل الجمالي للثورة، إذ أنَّ المواجهة تلخصت بخصم وطني متخلف، لا يعني المعاني النبيلة للحياة، وليس في قاموس حزبه ومشروعه السياسي مفردات مثل الحب والغزل والاغنية والسينما والموسيقى واللوحة التشكيلية ومدرسة الباليه والنادي الاجتماعي.. الخ، لذا، ومن وجهة نظر مؤمنة بعظمة قيم الجمال أقول: سيكون لفعل الفن والثقافة والتحضر الاثر البليغ في مواجهته.
في سنة 2005 كنت جالساً وصديقي سرمد الطائي في قاعة للشعر بالبصرة، يجلس في صفها الاول مجموعة من المعممين بالاسود والابيض، الذين سارعوا بالخروج من القاعة ما أن صدحت الموسيقى، لكنْ، وحين مرّوا قربي، حيث كنت أجلس، صحتُ بهم: (سنهزمكم بالموسيقى) العبارة التي ظل يرددها الطائي كلما التقينا.
قبل يومين، عاب أحدُ الشباب المتحمس للتغيير ما نشرته على صفحتي، حيث كتبت ما معناه: بانَّ الفنانة اليسا تقف مع متظاهري لبنان والعراق، وما كنتُ بصدد جمال صدر وسيقان اليسا، ابداً، إنما انا احبُّ أغانيها وصوتها، ومعها اتحسس الجمال، وامكانية استمرار الحياة، التي اطمح لها مثلما يطمح لها معي الشباب. حياة خالية من احزاب الاسلام السياسي، ومن التشدد والكراهية، حياة تُعنى بترسيخ قيم الجمال، وتحترم الانسان لذاته، ولإنسانيته، لا لحزبه وقوميته وطائفته.
منذ أيامي الاولى، كنت مؤمنا بان الثورات والتغيير لا تتجزأ، هي واحدة، إذ لا يمكن الاستهانة بالقطعة الموسيقية، التي تُغنى خالصة للجمال، وبالرواية التي تغذّي فينا روح الامل، وعبر العلاقة الحميمية ايضاً، بل وسأذهب الى انَّ كأس النبيذ جوار الزجاجة، مع حبّات الفستق على منضدتي الخاصة رسائل ضرورية، أبعث بها الى هؤلاء، الذي يقتصون من حياتنا، والصور هذه هي معنى من معاني التحدي لرجل تجاوز الستين بخمس، يريد أن يرسم حلماً عراقياً مع آلاف العراقين، الحالمين بغدٍ أجمل، غد لا مكان فيه للكراهية والتشدد والاقصاء.