علاء المفرجي
(رجل الخشب) هو الجزء الأخير من ثلاثية الأفلام المستقلة الروائية، بعد فيلمي المخرج قتيبة الجنابي (الرحيل من بغداد) و (قصص العابرين).. و تتميز أفلامه بطرح خاص ورؤيا سينمائية أثارت الجمهور ونقّاد السينما، واهتمت بأصوات المهاجرين والنازحين والعراقيين في بلدان المنافي.
الفيلم يدور حول دمية خشبية بالحجم الطبيعي للإنسان، لا يتحدث أو يتحرك، ولكن طريقة التصوير والفعل الدرامي للمونتاج يعكس ما يرنو له رجل الخشب هذا، ويعكس أحاسيسه وعواطفه ومحنته وهو حكاية خيالية ترمز للغرباء واللاجئين الذين يمثلهم رجل الخشب، وهي عكس التصور المعتاد لأفلام الهجرة فرجل الخشب يود العودة إلى المكان الأول (الوطن) ..وهي الأمنية التي تسكن الكثير من اللاجئين.
أحداث الفيلم تتقاطع مع ثلاث شخصيات ،رجل الخشب والمرأة صاحبة البيت والحارس في مكان وزمان واحد عند حدود نهايات العالم . رجل الخشب ذلك العراقي التي دفعته الظروف يكون في ذلك المكان والزمان وسط الصقيع الثلجي، إنه مركز الأحداث في عموم الفيلم ..كل واحد من هؤلاء الثلاثة لديه عالمه يتوقون الى شيء مفقود منهم إنه الحب والعلاقة الانسانية والدفء الانساني والانتماء .. لحظات وأوقات في حياتنا ينعدم الحوار أو يكون قليلاً ، هكذا قصة الفيلم تتطور من خلال لغة سينمائية بصرية شديدة الخصوصية. .
قال عنه قتيبة الجنابي: "طوال حياتي المهنية الطويلة كنت أسعى أن اكون مع الآخر والذين لا صوت لهم ، وبالتالي فإن النهج الفني الذي اعتمدته، ينبع من رغبتي الفنية والإنسانية لتسليط الضوء على القضايا الأخلاقية و السياسية الأساسية داخل المجتمع ، وفي العالم الذي نعيش فيه الآن ، والسعي لاستخدام لغة سينمائية تعتمد على الجمال ، على الحوارات المرئية والبصرية بدلاً من الحوارات اللغوية ، وبالتالي هدم الحدود بين البشر بكل مكان نحو العمل على تحقيق تفاهم عالمي بصري هذا الفيلم هو بيان بصري ودرامي عن التغيرات الجيوسياسية في عالمنا".
رجل الخشب إنه هو ذلك رجل الذي مثّل شجرة اقتلعت من مكانها وأُجبرت على المغادرة. تسلسل الأحداث يستمر بين الواقعية والخيال في طرحٍ وتتلاشى الحدود بين موضوع الإثارة ، وطريقة السرد مع دمية خشبية بالحجم الطبيعي ، إن بطل الرواية ، ويمثل الغرباء والمهاجرين في عالمنا. إنه فيلم من أفلام الطريق، فرجل الخشب يبحث عن مكان للاختباء ، ومطاردة من قبل قوى الشر غير مرئية طوال احداث الفيلم ولكننا نحسها ونخاف منها. .نحن معه وهو يريد العودة إلى الجذور، يريد العودة إلى الوطن.. وهذا ما يجعلني أُكمل بهذا الفيلم الثلاثية التي اقترحتها عن اللجوء والمهجر.
حاول قتيبة مزج مفهوم الشجرة ومفهوم الإنسان الذي يحمل كوابيسه وأحلامه وحنينه، فيكون في بيئة غريبة عنه ، الأحداث تدور في فصل الشتاء. وعند ساعات هطول الثلج .حيث نراه من البداية يهرب راكضاً ومختبئاً أحياناً من تابعيه تتشابك المفردات البصرية والإبداعية مع الضوء ، حيث يكون الضوء أحد الأبطال الفيلم أيضاً إنها رحلة بين الواقع والخيال في أسرار العقل ، وهي سيمفونية الصورة والصوت المشاعر.
اعتمد الجنابي في الفيلم أسلوباً يتجه نحو البناء الوثائقي، التشويقي . أسلوب التصوير والمونتاج يدفع المشاهد ليحس بآنية الحدث، أي الأحداث التي تحدث بالزمن الحاضر، ما يجعل جمهور المشاهد يدخل الى ذهن رجل الخشب ويتقمص أحاسيسه، تتميز طريقة التصوير في أن الكاميرا تأخذ وجهة نظر رجل الخشب، وبالتالي توحيد المشاهد ، والمتابع مع البطل. هكذا يعطي الفيلم انطباعاً بأننا نعيش الأحداث التي تظهر على الشاشة في الوقت الحاضر..