اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: فلفل كورجي

قناطر: فلفل كورجي

نشر في: 14 ديسمبر, 2019: 09:09 م

 طالب عبد العزيز

قبل أكثر من خمسة وخمسين عاماً، ، يوم كان الراديو وسيلة السماع والمشاهدة معاً، كان أحد أقربائنا- أحد الذين ظلوا حتى الوقت ذاك يحنون الى الملكية- يأتي الى بيتنا، الذي على النهر، حاملاً معه راديو،

يضعه في زنبيل من الخوص، ثم يصعد السطح ويبدأ بنصب السلك القصير ذي العودين الخيزران، وبفصي الخزف، على طرفي الكوخ، ثم يمد سلكاً آخر طويلاً من أعلى نقطة في البيت ليدخله في ثقب بالراديو. لم تكن إذاعة بغداد أو صوت العرب تعني له بشيء، إنما ينتظر حلول الساعة الثامنة من مساء الاربعاء، ليسمع برنامجه المفضل(حديث ابن الرافدين) لكنني، كنت أصغي لأصوات قرّاء المقام العراقيين اليهود من الراديو ذاته، وكثيراً ما كنت أراني حزيناً. 

لم يبدُ لي أن فلفل كورجي في أغنية (كلما امر على داركم) التي كتبها ليغنيها بنفسه، يتحدث فيها عن عشق شخصي وتقليدي، بين امرأة ورجل، حبّ عابر لرجل وامرأة، التقاها في أحد شوارع بغداد، بقدر ما كان يتحدث عن زمن عراقي مضى. هناك أوجاع تعتمل في النفس المهاجرة، التي يشدها حنين جارف الى ما كانت له في بغداد، التي غادرها عنوة، وهو في عمر الخامسة عشرة، وبمعنى ما، إنه ينتمي الى عالم لم يعشه كاملاً إنما تحدثوا له عنه.

وفي أغانٍ كثيرة ظل الحزن عنواناً لمجموع ما غنّى، هناك حزن ممض، وهناك شجن لم تستطع الموسيقى إخفاءه، الألم الموغر في النفس، وانقطاع الأمل بالعودة هما مادة فلفل جوركي في مجمل ما غنى، ليس هناك من روح غير عراقية فيه، ولا يمكن تلمس أي سعادة له في البلاد الجديدة، التي ذهب إليها. (هم رجعوني من النهر عطشان، والي نسوني وطولوا نسيان ويلاه ويلاه..) هكذا هو، بعيداً عن يهوديته، التي قد يظن البعض بأنه وجدها في بلاده الجديدة (اسرائيل) أبداً، لم يتضح لي أنه كان سعيداً في مقامه هناك.

وها هو يقرأ المقام فيقول :"الروح كيف اصبرت يومٍ غده خلاها اذكر ليالي المضت بالويل ياخلها شدعي على العين بعود الرمد خلها هذا المقدّر ولا كن جابته ايدي ويحق لي عاد اهيمن واقطع البيدي يامحمد ينوحي يللي تجس النبض ماهو الالم بيدي جبدي مألم، جفوفي من اللمس خلها ". هذه الحسرات لا يمكن أن تكون مجرد عشق لأمراة، هناك مكان افتقده، وهناك صحبة انتهت، وهناك رفقة لم تعد.

هذا الشجن الذي نفتقده في الأغنية العراقية اليوم، والذي قدمه مطرب المقام الرائع فلفل جوركي في معظم ما غنى ما نفتقده، لا يمكن النظر الى ما غنى من باب ضيق على أنه رجل يهودي، أبداً إنما نقرأ ذلك الصوت البغدادي ببحته، وتبغدده، وشجنه مع يقيننا بان مغادرته بغداد لا يمكن أن تمر مرور العابر غير العابئ بأحزان النفس الإنسانية العراقية الخالصة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram