علي حسين
يدخل مؤيد البدري عامه الخامس والثمانين، وهو متعب ومغترب، لا يطل على الذين يحبوه ويعشقوه، وفي آخر صورة شاهدتها له أمس وهو في غربته ، يضع على كتفيه المتعبتين علم العراق باسما، يقدم التحية لشباب الاحتجاجات.
سيقول البعض يارجل مالنا ومؤيد البدري الآن، ورئيس الجمهورية برهم صالح لا يعرف حتى هذه اللحظة من هي الكتلة الأكبر في البرلمان؟، يا سادة وما الغريب؟، ففي في ظل هذا البؤس المقيم، تحولت السياسة في العراق إلى موضوعٍ للفرجة، بكثير من الأسى والضحك، بحيث لا يجد الجمهور أمامه سوى مهرجانات من الصراخ، الكل يقول أنا الأحق بالمنصب لأنني مستقل، وهم مدركون تماما أن كتلة أكبر تشكلت في ساحات الاحتجاج، هي وحدها صاحبة الحق في الموافقة على رئيس الوزراء القادم.
وأعود للبدري الذي يعاني مثل مئات الكفاءات العراقية من رعاية الوطن واهتمامه، في الوقت الذي ينعم فيه نُواب "الصدفة" وسياسيي "ما ننطيها" بخيرات هذه البلاد.. أحيانا أتفحص وجوه الساسة من على شاشات التلفزيون، وأتلفت لأتذكر أسماءهم فلا أجد أحداً، ويقفز دائما اسم مؤيد البدري، ضاحكا وطيبا.. ولهذا سأظل أروي دائما حكاية المكالمة الهاتفية التي فاجأني بها الأستاذ البدري قبل أعوام، لأن لا حكاية أخرى لدي أرويها أهم منها، قبل ما يقارب الثلاثة أعوام عرفت عن قرب معنى أن تكون كاتبا لك جمهور يتابعك ويقرأ ما تكتبه، عندما رن جرس الهاتف النقال، لأسمع على الجانب الآخر صوتا هادئا يقول لي: كنت أريد أن اتصل بك منذ مدة لكنني لا أعرف رقم هاتفك، أنا مؤيد البدري أردت أن أقول لك كلمة واحدة: شكرا.. فأنا كل يوم أقرأ ما تكتبه ليلا قبل أن آوي إلى الفراش وكلماتك تجعلني أؤمن بأن لا أحد يمكن أن يسرق هذا الوطن من أبنائه. لم أصدق أن الرجل الذي يحدثني على الجانب الآخر من الهاتف، هو مؤيد البدري الأبرع كما سماه العراقيون.
منذ أن ترك مؤيد البدري التلفزيون عام 1993، لم يعد أي برنامج رياضي يثير اهتمام العراقيين. باستثناء برامج الردح السياسي التي انتشرت في الآونة الأخيرة.. اليوم غاب صوت البدري الذي جمع العراقيين حوله أكثر من نصف قرن، لنسمع صراخ سياسيين يطالبون بامتيازات الجهاد متوهمين أنهم حرروا العراق من سلطة الدكتاتورية، نواب وسياسيون منفعلون منذ سنوات.. في كل يوم نراهم أكثر عصبية.. يرفعون إصبعهم بوجه كل من يتحدث عن الخراب والانتهازية والقتل على الهوية، قواتهم الدفاعية على أهبة الاستعداد لملاحقة ومحاصرة كل من تسوّل له نفسه بالحديث عن أخطاء الحكومة وخيباتها.. يريدون من العراقيين جميعا ألا يغادروا عصر السمع والطاعة.. يقولون لك إن منصب رئيس مجلس الوزراء لا يُمس ولا يجوز الاقتراب منه.