عدوية الهلالي
في القرن الثامن عشر ، قال فولتير عن زلزال لشبونة إنه ( الفوضى المطلقة ) ، أما في عصرنا الحالي فقد أصبح فساد الحكومات هو الفوضى المطلقة ،
فلولا الفساد لما تغيرت معالم بعض الدول من الأمان والاستقرار الى التناحرات والحروب ، ولولاه لما فقد العراق ثرواته وموارده الطبيعية وميزانيته الضخمة وغابت الحياة الكريمة والضمان الاجتماعي وأبسط حقوق الفرد العراقي من سكن ووظيفة وخدمات ، ولولا تغلغل الفساد في جميع مفاصل البلد وفقدان الأمل في شفائه وتكالب الأحزاب على السلطة وليس على خدمة المواطن العراقي لما خرجت جموع المتظاهرين منذ أكثر من شهرين لتفترش الأرض وتلتحف السماء في أغلب محافظات العراق مطالبة بحقها في الحياة ولما اريقت دماء زكية من شباب عراقي لم يفعل شيئا سوى الأصرار على تغيير ملامح الوطن الذي شوهه الفساد ومحاولة إصلاح حاله ليصبح لائقاً بهم ويصبحوا أهلا لرعايته من الانقسام والطائفية والتمزق ..
تحدث الفوضى المطلقة أيضاً عندما تحاول جهات مستفيدة اختراق جموع المتظاهرين بطرق متعددة بهدف إضعاف صفوفهم وتشويه أهدافهم السلمية الواضحة وخنق التظاهرات في مهدها قبل أن تتحقق مطالب المتظاهرين ، فقد تصاعدت الأحداث خلال الشهرين الأخيرين لتتحول من مجرد تظاهرات شعبية سلمية الى حوادث عنف وتخريب متعمدة ترافقها حوادث اغتيال وخطف واعتقال لناشطين من مختلف المدن العراقية لكن الوعي الشبابي الجديد والإدراك الشعبي لبواطن الأمور كان بالمرصاد لتلك الفوضى التي تقف خلفها جهات حزبية وخارجية يهمها تفتيت وحدة الشعب وافشال التظاهرات وبقاء السلطة الحاكمة التي تنفذ لهم مآربهم ..
آخر صور الفوضى المطلقة بدأت تتجلى في محاولة اختيار مرشح لرئاسة الوزراء من نفس الطبقة الحاكمة على الرغم من تأييد المرجعية ومجلس الأمن لمطالب المتظاهرين المشروعة في اختيار شخصية لاتنتمي لحزب أو كتلة كبرى أو صغرى بل لشخصية مستقلة تحظى بقبول الشارع العراقي وتلبي مطالبه ، فلو جرى اختيار شخصية مرشحة من حزب أو كتلة ما سيستمر التناحر بين بقية الأحزاب على تحديد الكتلة الكبرى أو أحقية كتلة ما في تقديم مرشح ينتمي إليها ، واذن ، فلن يكون للتظاهرات أية قيمة ولن تتم محاسبة الفاسدين أو تثمين الدم العراقي النفيس بل سيذهب كل هذا السعي والدم المراق سدى ..كيف سيتم التغيير إذن إذا واصلت الطبقة الحاكمة الحالية هيمنتها على مقدرات الشعب ولم يدفع أي من افرادها ثمن استغلال الشعب وسرقته بينما دفع الشعب ثمناً غالياً من دماء ابنائه واستقرار معيشته بل ضحى بعام دراسي قد لايكتمل لكي يقول لكل من يحاول تشويه انتفاضته إن التضحية بالوطن أكبر وأهم من التضحية بعام دراسي ، كما أن التعليم في بلد ينهشه الفساد سيظل متردياً مالم تعود للدولة هيبتها ولمؤسساتها قيمتها فيصبح التعليم وكل مفاصل الحياة وقتها أسساً لاغنى عنها لبناء الدولة وانتشالها من الفوضى المطلقة..