TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مجرد كلام: فوضى مطلقة

مجرد كلام: فوضى مطلقة

نشر في: 16 ديسمبر, 2019: 08:43 م

 عدوية الهلالي

في القرن الثامن عشر ، قال فولتير عن زلزال لشبونة إنه ( الفوضى المطلقة ) ، أما في عصرنا الحالي فقد أصبح فساد الحكومات هو الفوضى المطلقة ،

فلولا الفساد لما تغيرت معالم بعض الدول من الأمان والاستقرار الى التناحرات والحروب ، ولولاه لما فقد العراق ثرواته وموارده الطبيعية وميزانيته الضخمة وغابت الحياة الكريمة والضمان الاجتماعي وأبسط حقوق الفرد العراقي من سكن ووظيفة وخدمات ، ولولا تغلغل الفساد في جميع مفاصل البلد وفقدان الأمل في شفائه وتكالب الأحزاب على السلطة وليس على خدمة المواطن العراقي لما خرجت جموع المتظاهرين منذ أكثر من شهرين لتفترش الأرض وتلتحف السماء في أغلب محافظات العراق مطالبة بحقها في الحياة ولما اريقت دماء زكية من شباب عراقي لم يفعل شيئا سوى الأصرار على تغيير ملامح الوطن الذي شوهه الفساد ومحاولة إصلاح حاله ليصبح لائقاً بهم ويصبحوا أهلا لرعايته من الانقسام والطائفية والتمزق ..

تحدث الفوضى المطلقة أيضاً عندما تحاول جهات مستفيدة اختراق جموع المتظاهرين بطرق متعددة بهدف إضعاف صفوفهم وتشويه أهدافهم السلمية الواضحة وخنق التظاهرات في مهدها قبل أن تتحقق مطالب المتظاهرين ، فقد تصاعدت الأحداث خلال الشهرين الأخيرين لتتحول من مجرد تظاهرات شعبية سلمية الى حوادث عنف وتخريب متعمدة ترافقها حوادث اغتيال وخطف واعتقال لناشطين من مختلف المدن العراقية لكن الوعي الشبابي الجديد والإدراك الشعبي لبواطن الأمور كان بالمرصاد لتلك الفوضى التي تقف خلفها جهات حزبية وخارجية يهمها تفتيت وحدة الشعب وافشال التظاهرات وبقاء السلطة الحاكمة التي تنفذ لهم مآربهم ..

آخر صور الفوضى المطلقة بدأت تتجلى في محاولة اختيار مرشح لرئاسة الوزراء من نفس الطبقة الحاكمة على الرغم من تأييد المرجعية ومجلس الأمن لمطالب المتظاهرين المشروعة في اختيار شخصية لاتنتمي لحزب أو كتلة كبرى أو صغرى بل لشخصية مستقلة تحظى بقبول الشارع العراقي وتلبي مطالبه ، فلو جرى اختيار شخصية مرشحة من حزب أو كتلة ما سيستمر التناحر بين بقية الأحزاب على تحديد الكتلة الكبرى أو أحقية كتلة ما في تقديم مرشح ينتمي إليها ، واذن ، فلن يكون للتظاهرات أية قيمة ولن تتم محاسبة الفاسدين أو تثمين الدم العراقي النفيس بل سيذهب كل هذا السعي والدم المراق سدى ..كيف سيتم التغيير إذن إذا واصلت الطبقة الحاكمة الحالية هيمنتها على مقدرات الشعب ولم يدفع أي من افرادها ثمن استغلال الشعب وسرقته بينما دفع الشعب ثمناً غالياً من دماء ابنائه واستقرار معيشته بل ضحى بعام دراسي قد لايكتمل لكي يقول لكل من يحاول تشويه انتفاضته إن التضحية بالوطن أكبر وأهم من التضحية بعام دراسي ، كما أن التعليم في بلد ينهشه الفساد سيظل متردياً مالم تعود للدولة هيبتها ولمؤسساتها قيمتها فيصبح التعليم وكل مفاصل الحياة وقتها أسساً لاغنى عنها لبناء الدولة وانتشالها من الفوضى المطلقة..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

 علي حسين عزيزي القارئ.. هل تعرف الفرق بين المصيبة والكارثة؟، المصيبة يمكن أن تجدها في تصريح السياسيين العراقيين وجميعهم يتحدثون عن دولة المؤسسات، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تقاسم المؤسسات فيما بينهم تحت...
علي حسين

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

د. فالح الحمــراني حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة،...
د. فالح الحمراني

العراق.. السلطة تنهب الطقس والذاكرة

أحمد حسن على مدار عشرين عاما، تحولت الثقافة في العراق إلى واجهة شكلية تتحكم بها مجموعات سياسية تدير المجال العام كما تدير المغانم. وفي ظل هذه الوضعية لم تعد الثقافة فضاء لإنتاج الوعي أو...
أحمد حسن

لماذا تهاجم الولايات المتحدة أوروبا بسبب حرية التعبير؟

فابيان جانيك شيربونيل * ترجمة : عدوية الهلالي «أعتقد أنهم ضعفاء. الأوروبيون يريدون أن يكونوا ملتزمين بالصواب السياسي لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." لفهم الموقف الأمريكي تجاه القارة العجوز، يصعب إيجاد تفسير أوضح...
فابيان جانيك شيربونيل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram