TOP

جريدة المدى > سينما > كتاب (في الطابق الرابع) انفتاح التعبير من السرد الحكائي إلـى السينمائي

كتاب (في الطابق الرابع) انفتاح التعبير من السرد الحكائي إلـى السينمائي

نشر في: 18 ديسمبر, 2019: 08:05 م

أحمد الناجي

| 3 |

أما على صعيد الجانب الموضوعي، فهو كان يعمل في غرفة الأخبار بمسمى محرر صحفي، وهناك عديد من الظروف التي أيقظت ما كان غافياً في مطاوي النفس، ودعمت من وجهة رغباته، ويسرت له تحقيق أمانيه،

ولتسلط الضوء على نقطة انطلاق هذه الانعطافة، نستعين بما كتبه في الباب الذي جاءت بعنوان (وتحركت الصورة)، "يقال: إذا اصطدمت غيمتان يحدث الرعد... فهما حدوث المستحيل، وسقوط حكومة البعثيين في بغداد... هي الغيمة الأولى، أما الثانية فهي تولي عبد الرحمن الراشد إدارة قناة العربية الإخبارية في دبي... أيقظت (الأولى) حلماً كان بعيداً، بأن أعود لأعمل وأتقاعد في العراق، و (الثانية) وجود الراشد في قناة مهمة أيقظ تخوفي من دخول العالم الذي لم آلفه، فقد اشتغلت معه طويلاً، ونشرت في صحف ومجلات أدارها، أفضل ما كتبت وصورت" (ص33). 

ظل مشدوداً الى باب الطموح الواسع، والدخول منه بثقة الى عالم الصورة المتحركة، لم يغب عن عقله ووجدانه وقلبه. وما أن قدحت ومضات البرق في سماء نوفل، بعد تكامل الاستعداد الذاتي مع الظرف الموضوعي المساند، حتى جاء صوته مهللاً يستقبل هذا الانعطافة الجديدة، دخول عالم السينما الغامض، ومعلناً: "ابتهجت للوهلة الأولى بدخولي منطقة طالما بقيت بعيدة عني. منطقة اقتران الصورة المتحركة بالنص" (ص34). 

وتوضحت تباشير اشتغاله الفعلي في مجال صناعة الأفلام الوثائقية مع فجر العراق الجديد، الذي أشرق بعد 2003، عبر تكليفه بتغطية أول انتخابات عراقية، فتصدى الى مشروع تغطية الحدث العراقي الهام قبل شهر من يوم الاقتراع في 15 كانون الأول 2005. ومن هنا بدأت أولى خطوات هذا المسار، بالتعامل مع مفاجأة انسحاب مخرج العمل بسبب ارتباطه الرسمي بقناة منافسة، التي وضعته مشتتا ما بين بين على مفترق طرق، إما التراجع ووقف العمل، أو السير على أقدام المغامرة الى حيث إيقاف الفلم على قدميه، ولنرى ما يخبأ القدر، فكان له ما أراد، حين خاض في لجة بحر الإخراج مخاطراً، يحصن ذاته بغلال المعارف التي جناها عبر الزمن، "حين وقفت أمام فيلمي الأول، الثالث تسلسلاً، استدعيت أيامي الطويلة مع الصورة والصوت والموسيقى، استدعيت تراكم عمر من القراءة، والمشاهدة والسماع، بوتيرة يومية أصبحت حاجة لا غنى عنها. وغير هذا، استدعيت تقنيات المخزون بفعل التمعن في تجارب القص المشغولة بأرواح أصحابها، والتجربة الشعرية طولاً وعرضاً ، ثم كتابة النص السردي والتحقيق الصحفي، الشكل الأقرب الى الفلم الوثائقي" (ص131). ومن هنا بدأت لحظات العمل أو الامتحان الحقيقي، وإذا شئت قل التحدي مع الذات قبل الآخر، حمل طموحه ومشاغله، وضع كل أدواته في خدمة الفلم، لائذاً بلغته السردية المختلفة عما هو سائد، يتوكأ على أسلوبه المغاير عما هو مألوف، ينوء بأثقل اللحظات التي تمضي في تلك الأثناء على عجل، وكأنها أسرع من الزمن المعتاد، موضحاً أحواله التي كان يعمل فيها بلا نوم، ويشير الى ذلك بقوله: "عملت في التغطية العراقية بعشر أيدٍ، وعشرين عيناً، ورأس اختلطت فيه المشاعر والأفكار والآمال والصور... في يوم التغطية كنت قضيت الليل حتى الصباح لأنتهي من كمية الإنتاج الكبيرة التي كلفت بها وعملت عليها ببهجة وتعب عارمين" (ص36-37). وسندعه يخبرنا بنفسه عن المحصلة السارة في أخر مطاف هذا الفيلم، موضحاً: "في ذلك اليوم، دخلت التلفزيون من باب آخر غير الذي دخلته. باب فتح لي فضاءً جديداً" (ص35). 

وبقي على إيقاع المغامرة مواصلاً العمل في بغداد، وبلا مقدمات ومن دون تأخير، يقدم على خوض تجربة جديدة، يشحذ الهمم، ويتسور بالشجاعة والجرأة، ويبدأ العمل في فلم: الطريق الى دولة النهرين، الذي وضعه من ألفه الى يائه، كتابة وإنتاجاً وإخراجاً، لم ينساق الى التقليد ومحاكاة القديم، مبتعداً عن الافتعال الذي يقتل الإبداع، بصوت واثق، يقول: "لم أفتعل عمقاً للصورة، تركت الكاميرا تصل الى عمق الموضوع الطبيعي لا المصنوع بالإضاءة المفتعلة... وفي هذا الفلم تعلمت ما يمكن تسميته ببانورامية التفكير، أي توسيع زاوية النظر لتشمل مراحل وأجزاء العمل كلها" (ص134-135). 

تبدّدت المخاوف بعدما عرض منجزه على الشاشة، لقيَ أصداء طيبة من قبل بيئة التلقي، كذلك من ذوي القربي من الوسط العامل في قناة العربية، استحسنوا المادة المصنوعة وفق هوى نوفل، وعلى إيقاع شطارته. "مرّت عاصفة اللغة المختلفة لتبدأ المرحلة الأصعب" (ص38). ويمكننا أن نجمل ما تتالى بعد ذلك من انجازات في بقية أبواب الكتاب التي انفتحت على مدارات واسعة من الاعمال، وفي مقدمتها، أسندت اليه مهمة العمل في (بانوراما) البرنامج المخصص للتحليل السياسي، واقترنت تقاريره التحليلية على استعادة حضور الأحداث السياسية من زوايا خافية مهملة ومسكوت عنها، كاشفاً بوسيلة أعمق ما يدور حولها، وبلغة متفردة تنماز عن لغة الإعلام، أضفت بعداً جمالياً على سياقات الخطاب الإعلامي التقليدي، "وأقنعت غرفة الأخبار بإمكانية الاستفادة من صحفيي (المكتوب) في (المرئي)، والأهم من هذا طمأنت عبد الرحمن الراشد" (ص41). وبعد أن انقشعت غيمة الارتياب، تأبط مهمة جديدة باندفاع وقناعة، هي مهمة القيام بفلم عن الدستور العراقي الجديد، كان بعنوان (الدستور.. حكاية عراقية)، بحيث يستغرق عرضه خمسين دقيقة، ويبدو أنه في هذا العمل قد طرق بثقة على أبواب الحظ السعيد، "في ذلك اليوم، وضعت أول قدم على الدرب الذي انتهى الى صناعة الأفلام" (ص42).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر

ترشيح كورالي فارجيت لجائزة الغولدن غلوب عن فيلمها (المادة ): -النساء معتادات على الابتسام، وفي دواخلهن قصص مختلفة !

تجربة في المشاهدة .. يحيى عياش.. المهندس

مقالات ذات صلة

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر
سينما

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر

علي الياسريمنذ بداياته لَفَتَ المخرج الامريكي المستقل شون بيكر الانظار لوقائع افلامه بتلك اللمسة الزمنية المُتعلقة بالراهن الحياتي. اعتماده المضارع المستمر لاستعراض شخصياته التي تعيش لحظتها الانية ومن دون استرجاعات او تنبؤات جعله يقدم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram