علاء المفرجي
يلتقط فيلم (خاتم نحاس) موضوعته من موضوعات كثير، فرضها واقع اجتماعي واقتصادي وسياسي عاشه، ويعيشه العراق منذ عام 2003 وهي موضوعات توفر مادة للعديد من الأعمال الإبداعية.
وكنا قد وجهنا في هذا المكان دعوة الى صناع الأفلام الوثائقية بشكل خاص أن ينهلوا من كم هذه الموضوعات في ما يمكن أن يصبح وثيقة تؤرخ زمناً محتدماً يعيشه الوطن.
وإذا كان بعض هذا النوع من الأفلام قد أحسن اختيار مادته، فان الأغلب الأعم جنح الى التوثيق، بما يماثل ما تبثه وسائل الإعلام المرئية من أحداث ، بل وصل الى أن تحتل تقارير الفضائيات المصورة زمن الكثير من هذه الأفلام.. ولا تتعدى هذه التقارير موضوعات الكوارث الإنسانية والقتل على الهوية، وحوادث التفجيرات ، وهي التقارير التي تشكل مواد نشرات الأخبار اليومية..
في وقت تغاضى الكثير من صناع الوثائقيات عن ظواهر وأحداث وحتى سلوكيات أسهمت في صياغة واقع مشوه نعيشه يكون التغاضي عنها وعدم تسليط الضوء عليها وادانتها من شأنه أن يكرس واقعاً مشوهاً ومستقبلاً قاتماً.
ولعل قمع ومصادرة الحريات من خلال قوانين وضعت لذلك وممارسات حاولت أن تجعل منها أمراً واقعاً .. هي القضية الأهم على مدى السنوات العشر الماضية .. والتي أسهمت في خلق اصطفاف واضح للقوى التي لها مصلحة في إدامة مشروع الاستلاب والمصادرة ، والقوى التي ترفض المساس بمدنية الدولة.
(خاتم نحاس) للمخرج الشاب فريد شهاب أنتجته مؤسسة (المدى) تماشياً مع دورها المؤثر في التصدي لمحاولات سلب الحريات وتكميم الأفواه. وهو الدور الذي اضطلعت به مع منظمات مدنية وإنسانية أخرى.
الفيلم ، وبأسلوب الديكودراما ، يتناول مشروع قانون الأحوال الجعفري الذي مرّرته الحكومة للموافقة عليه في البرلمان ، والذي أُريد له أن يستبيح حقوق المرأة العراقية ، ويكبلها فضلاً عن ذلك باجراءات تستلب آدميتها ، وانتهاكه الصارخ لحقوق الطفل حيث يجيز زواج القاصرات.
الفيلم يقف عند الجدل القائم حول هذا القانون المتعسف. ويتناول زواج قاصر بعمر الـ13 عاماً والوقوف عند الرأي القانوني والإعلامي والاجتماعي الذي يسلط الضوء على مساوئ هذا المشروع في حالة إقراره وأثره في البنية الاجتماعية وما يمكن أن يترتب عليه من آثار على الأجيال اللاحقة.
ينحاز الفيلم لوجهة النظر المناوئة للمشروع، وكان من الطبيعي أن تكون الآراء المطروحة فيه منسجمة مع هذا الموقف، وعلى خلفية هذه الآراء ينسج المخرج قصة زواج قاصر، تُنتشل من براءتها قسراً، لتدخل عالماً تجهله.. واعتمد المخرج دخول المعلقين بشكل ينسجم وتفاصيل هذه الجريمة الأخلاقية وبانتقال سلس من الواقعة الى ظهور المعلق المختص.. مع تضمين الحدث دلالات رمزية أغنت الموضوع.
وخلال الندوة التي نظمتها الأكاديمية العربية لحقوق الإنسان بالتعاون مع جامعة لندن (soas) وشاركت فيها مؤسسة المدى ببحث تناول الآثار السلبية لهذا المشروع، وانطلاقاً من فاعلية الصورة وتأثيرها على المدى الطويل، فإن عرض الفيلم في هذه الندوة أحدث الأثر المطلوب فيما خص الوقوف على تفاصيل هذا القانون.
والنجاح الذي حققه هذا الفيلم ربما سيكون مفتتحاً للمدى المؤسسة في إنتاج سلسلة من الأفلام الوثائقية التي من شأنها ، توثيق الكثير من الظواهر والأحداث في واقعنا العراقي ، بما يشكل ضمانة للوقوف بوجه المحاولات المتكررة للمساس بمدنية الدولة والنيل من الحريات.