علي حسين
ما قاله السيد عادل عبد المهدي في خطابه الأخير، هو عملية إجهاز بشكل كامل على مفهوم الوطنية في دساتير الأمم، والسعي لتحويل مجلس الوزراء إلى منصة لإطلاق أحدث النكات،
فأن يقول رئيس وزراء أسقطته احتجاجات شعبية راح ضحيتها المئات من الشباب، إن وزارته ستغادر وهي مرفوعة الرأس ، فهذا القول قمة الاستهانة بدماء الشهداء ، وعندما يشرح أسباب "رفعة" الرأس هذه نجدها مضحكة من عينة "هناك إنجازات تحققت بشكل واسع في موضوع زراعة الشلب"، وأتمنى أن لا يتهمني البعض بالتجني على السيد عبد المهدي، فخطابه موجود على موقعه في الفيسبوك وستجدون فيه تجسيدا لمقولة المتنبي يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.. فالسيد رئيس الوزراء يعتقد أن عدم إقامة معرض بغداد الدولي أدى إلى توقف معظم المشاريع في العراق، وانسحاب المستثمرين وخسارة العراق مليارات الدولارات.. إذن بعد قتل شباب التظاهرات وتخوينهم، جاء الدور لتحميلهم فشل الحكومة وعجزها عن إقامة مشروع صناعي واحد.
صناعة الفشل لا تقل خطراً على الدولة من صناعة الإرهاب، الثانية تحاول إسقاط الدولة بالقاضية، لكن الأولى تجعلها تتآكل من الداخل حتى تجد نفسك فجأة أمام منظومة عاجزة عن الوفاء بأي التزام، لأن التزامها الوحيد كان للكرسي والصفقات السياسية، وليس للناس.
منذ أن قدم عادل عبد المهدي استقالته والجميع يصرخ: لا بديل، تتغير الحكومات في بلدان العالم، ويذهب رئيس وزراء ويأتي بعده آخر، دون أن يحتل الخبر الصفحات الأولى ولا اهتمامات الناس .. فالبلدان لن تتغير برحيل مسؤوليها، منذ أيام أطالع في كتاب الرئيس الفرنسي السابق فرانسو هولاند "دروس السلطة" الصادر حديثا عن دار المدى، والرجل يخبرنا أن مغادرته قصر الرئاسة ودخول ماكرون لم يجعل الفرنسيين يسألون ما الذي حدث؟، لأن النظام هناك ثابت يتحرك فى إطار محدد من القيم الأساسية المستقرة عن هوية البلد والمجتمع ومصالحه الأساسية وحقوق مواطنيه وحرياتهم.
عندما قال هولاند إنه لن يترشح، لم يصرخ احد لا بديل ، ولم يقل هو ساغادر مرفوع الرأس ، لأن مهمة النظام السياسي الأساسية ، هي في خلق ينشد الاستقرار المستمر .. هناك كان لديهم عشرات البدائل.. وهنا يصرخون في وجهك بأنه لا يوجد بديل.
لا أحد في العراق منذ16 عاما اعتبر بناء نظام سياسي قوي ومستقر، وقادر على الاستمرار والتجدد والتحديث والاستيعاب وفرز البدائل، مشروعاً وطنيا مهما ، لان المشروع الاول كان ارضاء الجارة الارجنتين والدفاع عن مصالحها .
التنمية السياسية ليست أقل أهمية من زراعة الشلب التي يتباهى بها عادل عبد المهدي ، ، والاصرار على عدم وجود بديل ، يعني وكأنه لا يوجد مجتمع حقيقي !.