TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: إعتذارٌ أم مناورة ؟

قناديل: إعتذارٌ أم مناورة ؟

نشر في: 21 ديسمبر, 2019: 06:56 م

 لطفية الدليمي

تقليدٌ أقربُ إلى استعراضات المسرح المدرسي ذلك الذي إعتاده أحد عتاة العملية السياسية المهترئة في العراق : يظهر أمام مجاميع من مريديه وهو يردّد باكياً : " نحنُ فشلنا في حكم العراق ، وعلينا جميعاً أن نعتذر إلى شعبنا " ، وكان الله يحبّ المحسنين ويكفيهم شرّ القتل والقتال !! 

كيف نصنف بعض هؤلاء الذين صاروا حُكّاماً للعراق في غفلة غبية من الزمن ؟ تقول الأمثولة المتداولة " إنّك لاترتجي من الشوك تيناً " ؛ فهل نرتجي من هؤلاء صدق الإعتذار والقبول بكل النتائج المترتّبة عليه ؟ 

لايزال هؤلاء يعيشون في أقبية التنشئة الحزبية المنغلقة المعروفة بأنها تربية تقوم على المكر والخديعة واصطناع المؤامرات والنميمة والإيقاع بالخصوم الحقيقيين والمفترضين بأكثر الوسائل خسّة ودناءة ، وإذا كنّا نعيبُ على الأحزاب القومية الشوفينية مغالاتها في هذه الصفات الحزبية الذميمة فقد أثبتت الوقائع المختبرة على الأرض أن الأحزاب الإسلاموية تفوق الأحزاب القومية الشوفينية في جرعة كراهية الآخر والإنغلاق على منظومة مقفلة من اليقينيات الراكدة . إنّ ثقافة الإعتذار بعيدة عن منظومتهم السلوكية، وماإعتذارهم سوى رغبة كاذبة تتوسّل ملامسة العواطف التي يسهل تحريكها لدى العراقي الموصوف غالبا بأنه ( أبو دميعة ) ودمعته يسيرة متاحة بطرف عينه. 

إن المهم في أي اعتذار، الجوانب العرافية والقانونية في أطروحة الاعتذار . من المعروف في أخلاقيات التعامل العامة وآداب السلوك المتحضّر في كلّ بقاع الأرض أنّ يعتذر المرء عندما يُقدِم على فعل شخصي يتسبّب في أذى ( مادي أو سايكولوجي أو كليهما ) لشخصٍ آخر ، وهنا يأتي الإعتذار كمقدّمة لإيجاد وسيلة تواصل إنسانية تساعد في فكّ الإشتباك وتغليب العلاقة الإنسانية الطبيعية على وسائل العنف والتدمير ، وكثيرة هي المواقف التي يمكن لنا أن نذكرها في هذا الشأن ، وهي في أغلبها ناجمة عن التعامل اليومي مع الحياة ، ولعلّ حوادث السير في الشارع خير مثال لهذا ؛ إذ سيكون أمراً محموداً أن يعتذر من تسبّب في أذى لسيارة يقودها شخص آخر رغم أنّ هذا الإعتذار لن يلغي الآثار القانونية المترتبة على هذا الفعل .

يبقى الأثر القانوني المترتب على فعل مسيء هو الأثر الأعلى شأناً ولايمكن نكرانه مهما تمادى المخطئ ( غير القاصد فعل الإساءة ) في فنون الإعتذار أو معسول الكلام . الإعتذار في الأخلاقيات العامة وفنون الأتيكيت السلوكي ليس سوى رغبة في فتح قناة حوارية تمهّد للتسوية القانونية فضلاً عن أنها تسعى لامتصاص شحنات الغضب التي تنشأ لحظوياً عند ارتكاب فعل الإساءة . لامجال إذن لأيّ لعب أو خلط للأوراق في هذا الميدان . 

يحار المرء حقاً في توصيف سلوكيات من صاروا حُكّاماً للعراق ؛ فهي سلوكيات تمزج بين الغطرسة الغبية والإدعاءات المبالغة في التواضع الكاذب ، ونحن نعرف تماماً أنّ ثقافة الإعتذار بعيدة عن سلوكياتهم العميقة ، ولم تكن يوماً جزءاً متأصلاً فيها . قد يتوهّمون أنهم يحاكون مافعله ( نلسون مانديلا ) في الحالة الجنوب أفريقية و فاتَهم أنّ الرجل تقبّل ثقافة الإعتذار من جانب البيض عن سلوك جمعي آذى السود، ولم تمتدّ هذه الثقافة الإعتذارية لتشمل الجوانب القانونية ( كالسرقة أو القتل أو سواهما ) . 

إن اعتذار البعض من ( مسؤولي ) العراق ماهو إلا لعبة ساذجة ، ولن تنفع دموعهم الزائفة والمشهديات المسرحية البائسة في مواجهة أقدارهم المحتومة،وماأفظعها من أقدار هم من رسم خاتمتها المشينة . 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: صنع في العراق

 علي حسين اخبرنا الشيخ همام حمودي" مشكورا " ان العراقي يعيش حاله من الرفاهيه يلبس أرقى الملابس وعنده نقال ايفون وراتبه جيد جدآ ، فماذا يحتاج بعد كل هذه الرفاهية. وجميل أن تتزامن...
علي حسين

قناطر: في البصرة.. هذا الكعك من ذاك العجين

طالب عبد العزيز كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية....
طالب عبد العزيز

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. من يكون رئيس الوزراء؟

إياد العنبر يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة...
اياد العنبر

هل الكاتب مرآةً كاشفة للحقيقة؟

عبد الكريم البليخ لم يكن الكاتب، في جوهره، مجرد ناسخ أو راوٍ، بل كان شاهداً. الشاهد على لحظةٍ تاريخية، على مأساةٍ إنسانية، على حلمٍ جماعي، وعلى جرحٍ فردي. والكاتب الحقيقي، عبر العصور، هو ذاك...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram