علاء المفرجي
- 2 -
العقدان الأخيران من عمر السينما شهدا اهتماماً ملحوظاً بقضية المرأة بشكل متزامن مع تصعيد المنظمات المدنية والحقوقية في كل مكان لهذا الموضوع، وكان من الطبيعي أن تتمثل السينما مثل هذه القضية لتشبعها تناولاً وصل إلى حد بروز نوع من الأفلام اتخذ اسم (سينما المرأة) ..
وعلى الرغم من أن السينما عالجت الكثير من الموضوعات التي تخص المرأة وقضاياها على امتداد تاريخها، ولنا في كتاب الناقد المصري رؤوف توفيق الذي صدر قبل أربعة عقود من الزمن وبحث فيه عدد من الأفلام السينمائية العالمية التي كانت المرأة محورها الأساس مثلاً في ذلك، إلا أن العقود الثلاث الأخيرة شهدت زخماً إنتاجياً كبيراً لهذا النوع من الأفلام وثائقية أم روائية، وصل إلى حد إقامة أكثر من مهرجان سينمائي متخصص بأفلام المرأة في العالم.
ومن خلال مهرجانين سينمائيين عُقدا الشهر الماضي كان للمرأة كموضوع حضور طاغ ،فمهرجان الفيلم العراقي الدولي خصص مسابقة لفيلم المرأة ، فيما ازدحم مهرجان دولي آخر عُقِد بالتزامن معه بالعديد من هذا النوع من الأفلام تجاوز الثلاثين فيلماً وفي مختلف مسابقاته، وتفاوتت هذه الأفلام إنْ في أسلوب معالجتها لقضايا المرأة أو في طبيعة ما عرضته من موضوعات. واختلفت هذه الموضوعات بدورها بين من قدم المرأة كقيمة اجتماعية فاعلة ، أو قيمة فنية وجمالية ، أو رمزية دالة، أو موضوعات لامست واقع المرأة وتمردها على هذا الواقع.. كذلك من خلال إنشاء صور تراهن على انتصار هذه القضية باعتبارها من أهم قضايا العصر.
الموسم الماضي فاجأت اليمنية خديجة السلامي عشاق هذا النوع من الأفلام بفيلمها الوثائقي الرائع (الصرخة) الذي عرض في غير مهرجان عربي وعالمي وانتزع عديد الجوائز وقدم نموذجاً كبيراً ومهماً لهذا النوع من السينما، ليس على صعيد موضوعه – على أهميته - بل على صعيد لغته السينمائية المتقدمة، فقد كان بمثابة الصرخة الحقيقية أطلقتها هذه المخرجة التي عانت هي نفسها من النظرة الدونية والاستلاب في مجتمعها، فهي التي أثارت الرأي العام وهي طفلة في الحادية عشرة من عمرها عندما أجبرت على الزواج من رجل يتجاوز عمرها بكثير، وصفته هي في ما بعد بـ (الاغتصاب المنظم)، لتحصل بعد حملة تضامن على الطلاق والسفر إلى أميركا للدراسة والانضمام إلى السلك الدبلوماسي اليمني.
الفيلم يسلط الضوء على المشاركة الفاعلة للمرأة اليمنية في الثورة، فقد فاجأت السلامي جمهور المهرجان بإظهار الوعي المتقدم لهذه المرأة وشجاعتها ليس في مواجهة استبداد السلطة حسب ،بل في مواجهة الفكر الديني المتشدّد والتقاليد الاجتماعية الصارمة. فعلى مدى أربع وثمانين دقيقة زمن هذا الفيلم تتجول كاميرا السلامي داخل الحشود النسائية، لإظهار دور المرأة اليمنية في هذا الحراك الذي أفضى إلى تنحي الرئيس اليمني علي عبدالله صالح. لكن اختزال الفيلم بذلك فقط ، سيكون جزءاً صغيراً جداً مما تسعى المخرجة إلى تقديمه، فما يشغل هذا الفيلم ليس التغيير السياسي فقط، بل الاجتماعي وحالة المرأة اليمينة في مجتمع محافظ. كان حضور المرأة في التظاهرات والاحتجاجات خطوة جريئة بادرت إليها المرأة اليمينة، وبالتالي وجدت للمرة الأولى ربما مساحة للحلم، ومساحة أيضاً لتقول وتصرخ عالياً بما تتوق إليه.
ولعل أهم ما توقف عنده الفيلم هو استمرار الاستلاب والقمع للمرأة اليمنية بعد الثورة وتكميم الأفواه التي صرخت عالياً بوجه الاستبداد، ولعل هذا هو السبب الأساس الذي جعل ذكورية المستبد حتى وإن كان ثورياً تضيق على دور المرأة الكبير إبان الثورة .