د.قاسم حسين صالح
توطئة
يمكن القول بأن طغيان الحكّام وفساد السلطة بدأ من واقعة كربلاء يوم خرج الأمام الحسين مطالباً بالإصلاح وقتل في (680م)، وإن الحكّام الأمويين تفوقوا على فرعون الذي اعتمد نظاماً ثيوقراطياً بوصفه إلهاً او ابن الآلهة أو مبعوث العناية الإلهية.
ويعد الحجاج الثقفي رمز الطغيان في الدولة الأموية الذي كان يودع الأبرياء من العراقيين في السجون حتى الموت ويتوعد من يخالفه بقطع رأسه.
وعلى السكة نفسها سار حكّام الدولة العباسية التي كانت بغداد عاصمتها.ويذكر الأمام الشيرازي بأن:( فرعون ونمرود وشدّاد ظلموا كثيراً،ولكن لا يبلغ ظلم هؤلاء ظلم الذين حكموا باسم الإسلام، أمثال بني أمية وبني مروان وبني العباس). وبدءاً من حكم الفاسق يزيد بن معاوية وصولاً لقادة أحزاب الإسلام السياسي في العراق الحديث اعتمد الحكام الفاسدون أساليب الخداع والتضليل والكذب والتزييف واستخدامهم للسلطة باسم الإسلام المناقض تماماً لجوهره.
ومع تعدد معاني مفردة (الطغيان) فان افضلها ما جاء في كتاب( القهر الانساني في هندسة الطاغية) للأستاذ بدر خضر بأنه (مَن أسرف في المعاصي والقهر،واتَّخِذ من القوانين ما يُتِيح له ارتكابَ الفظائع).ولدى أفلاطون قول لطيف اذ يُشبِّه الطاغية بالذِّئب؛ "لأنَّه يذوق بلسانه دمَ أهله بقتلهم وتشريدهم".
وفي معجم "أوكسفورد" الإنكليزي،يُعرَّف الفساد بأنّه انحراف في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمُحاباة،فيما تُعرِّفه منظمة الشفافية الدولية بأنه كل عمل يتضمّن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة ذاتية لنفسه أو جماعته.
الفساد في العراق..حقائق وأرقام
منذ 2003 لم تعد في العراق حكومة مؤهلة لأدارة شؤون الناس،فمعظم وزراء الحكومات لا يمتلكون الخبرة ولا الشهادة ولا الكفاءة.وجرى تقسيم الوزارات حصصاً!..وصارت كل وزارة مؤسسة خاصة بكتلة سياسية يرأسها وزير منها يعمل بتعليمات كتلته أكثر من تعليمات مجلس الوزراء.وصار اسناد الوظائف العليا على اساس القرابة والعشيرة والطائفة وإن كان بلا مؤهل.
في ادناه مؤشرات بحقائق وأرقام عن أفسد وأفشل حكومات في تاريخ العراق السياسي:
* صرح كبير المفتشين الأميركيين في العراق للإشراف على إعادة البناء،ستيوارت بوين، بأن حجم الفساد في الحكومة العراقية يبلغ أكثر من أربعة مليارات دولار،ووصف هذا الوضع بأنه أشبه بتمرد ثان يواجهه العراق.
* قال أعضاء بلجنة النزاهة النيابية،إن مستويات الفساد المالي والإداري العالية في العراق،سببها تدخل رئيس الوزراء نوري المالكي في عملهم،ومنعه إحالة أي وزير سابق أو حالي للتحقيق في قضايا الفساد إلا بعد موافقته.
* رئيسان إسلاميان متقاعدان،يوعظان الناس بالزهد وبتطبيق الشريعة ويقولان بأن الإسلام هو الحل،هما محمود المشهداني وأياد السامرائي يتقاضى الواحد منهما 57,000,000 مليون دينار!.
* منذ عام 2003 وحتى عام 2018 تسبب الفساد السياسي والمالي والإداري بسوء صرف أكثر من ترليون دولار أميركي،منها مدخولات جناها العراق قرابة 800 مليار دولار.
• نعم،جميعنا فاسدون بمن فيهم أنا.لقد عرض عليّ أحدهم خمسة ملايين دولار لوقف التحقيق معه،أخذت المبلغ وظللنا مستمرين في مقاضاته.أغلب الأسماء الكبيرة في البلاد مسؤولة عن سرقة كل ثروة العراق تقريباً،أشخاص في قمة هرم السلطة،سيقتلونني إذا لاحقتهم./مشعان الجبوري لمراسل صحيفة الغارديان مارتن شولوف.
• مدير شركة التجهيزات الزراعية السابق المحسوب على إحدى القوى الاسلامية الشيعية المشاركة في الحكومة والبرلمان،اعترف للجنة النزاهة بأنه دفع مليار ونصف المليار دينار لنائب سابق لغرض تهريبه.
• "لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها." تصريح موثق لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي،وفي تستره هذا خيانة للذمة يدينها الدين الإسلامي.
• حاول رئيس الوزراء حيدر العبادي وبتشجيع من المرجعية ضرب الفساد بيد من حديد وما فعل،ما اضطر المرجعية الى أن تعلن بأن( أصواتنا قد بحّت،ولم يستمع إلينا أحد).
* صرح رئيس الوزراء حيدر العبادي في البصرة بتاريخ (22 شباط 2018)،بأنه تم صرف سبعة ترليونات دينار على مشاريع لم ينجز منها شيئاً.
* ووفقاً لتقرير منظمة الشفافية الدولية (شباط 2018) فأنه تم سرقة مئة مليار دولار( الترليون يساوي واحد وأمامه 12 صفراً،والمليار يساوي واحد وامامه تسعة أصفار).
دجل قيادات أحزاب الإسلام السياسي
تدّعي قيادات أحزاب الإسلام السياسي(الشيعي والسّني) أنها تهتدي بتعاليم الدين الإسلامي في السياسة،فيما اثبتوا عبر 16 سنة من الحكم بأنهم مارسوا الدجل(المبالغة في الكذب والتمويه)..لأن الإسلام يدين الفساد بكل أشكاله ومضامينه،وتنهى عنه آيات صريحة في القرآن،من بينها: "وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ- سورة القصص"، "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ- سورة البقرة". ولم يثبت أحد منهم إنه اهتدى بما جاء في القرآن الكريم من تحذير للحاكم الفاسد والظالم لرعيته، ففي سورة القلم قال تعالى:(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)،وفي سورة الشعراء:(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).
وليتهم قدموا انجازاً مهماً واحداً للناس والوطن في 16 سنة ولديهم ثروة تعيد بناء دولة خرجت من حرب كارثية. بل إنهم فعلوا ما يعد أشدّ قبحا في القرن الواحد والعشرين.فلقد قرأت في كتاب (ضحى الإسلام) للمفكر (أحمد أمين ) ما نصه: "يظهر أن العرب في الجاهلية لم يكن لهم شعور قوي بأنهم أمّة، انما كان الشعور القوي عندهم شعور الفرد بالأنتماء لقبيلته - ص 23"..وهذا ما فعلته أحزاب الإسلام السياسي بأن أشاعوا الانتماءات للطائفة والعشيرة والقومية على حساب الانتماء للهوية الوطنية فاعادوا جماهيرهم الى عصر الجاهلية.
ولأن حكومات ما بعد التغيير كانت بهوية شيعية،وبين قادتها من يدّعون إنهم أحفاد الأمام علي وأخلص شيعته،فأنهم لم يقتدوا به في وصيته لمالك الأشتر(لا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم).ولا تنبيهه له بان الذين جاءوا الى السلطة من داخل الشعب كانوا قبل ذلك يثيرون النقد ضد سيئات الحاكم السابق، فيدعوهم الى أن لا ينسوا مواقعهم النقدية السابقة فيصغوا الى النقد الآتي من القاعدة الشعبية..وتلك أثمن نصيحة لم يأخذ بها من جاء بهم (الشعب) الى السلطة بعد التغيير.فضلا عن نصيحة أخرى بقوله(ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك)،فيما حكّام أحزاب الإسلام السياسي اختاروا من يكون رهن طاعتهم واستبعدوا أفضل الكفاءات وأنضج الخبرات،وعملوا بالضد من نصيحته:(وأنصفْ الله وأنصفْ الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك).ونصيحة أخرى بقوله (الأصغاء للعامة من الناس) فيما المتظاهرون يطالبون بالإصلاح ويصرخون من ثماني سنين وهم عنهم ساهون.ونصيحة أخطر بقوله(اياك والدماء وسفكها بغير حلها) فيما هم سفكوا الدماء وتعاملوا مع المتظاهرين كما لو أنهم قوم غزاة أو في حرب مع جيش نظامي!،فقتلوا المئات وأكثر من عشرين ألفاً بين معوق وجريح.
نهاية الطغاة والفاسدين
يحدثنا التاريخ بانه لا يمر عصرٌ من العصور إلا وتكون نهاية الطغاة، مخزية ومهينة.
وما انفرد به حكّام الإسلام السياسي في العراق أن الشعب أخزاهم وهم في الحكم، وأحرق مقرات أحزابهم،وفضحهم بأهازيج مخجلة:(باسم الدين باكونه الحراميه،الله واكبر ياعلي الأحزاب باكونه، الخير العدنه مكوم والأحزاب تفرهد بيه..وصولاً لأهزوجة أهل الناصرية:ما نريد قائد جعفري تاليها يطلع س..)
وكما لم يبق من الحكام الطغاة والفاسدين سوى الخزي والذكر الكريه ولعنات الشعوب فإن قادة أحزاب الإسلام السياسي سيلقون نفس المصير..وان كان أكثرهم يعتقدون أن لديهم من المال المنهوب والأتباع والمكر ما يجعلهم في الحكم يبقون!