TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: العراق الذي في ضمائرهم

العمود الثامن: العراق الذي في ضمائرهم

نشر في: 28 ديسمبر, 2019: 09:47 م

 علي حسين

أخطر ما ابتلي به العراق أن تولى أمره وتحدث باسمه من لا يعرف قدره ومكانته من عينة النائب صاحب مشروع " البصاق " الوطني ..بالأمس كنت أنظر إلى وجوه مجموعة من المتظاهرين في ساحة التحرير.. شباب وشيوخ، وفي وسط المشهد امرأة في منتصف العمر تبدو سعيدة وهي تقدم الطعام لمن حولها. 

كنت أنظر إلى وجه المرأة، وأنا أقول لصديق متحديا أن يجد سياسيا يحب العراق مثل هذه المرأة، التي قالت إنها لم تستطع صبرا والشباب في ساحة التحرير يحتاجون إلى الطعام، فأجبرت ابنها على أن يحمل معها "القدور" لترى أبناءها وهم يرفعون اسم العراق على حد قولها.. حين تحدثت المرأة ران الصمت على المكان وكأن الجميع يتعبد في محراب الكلمات.. لمعت العيون بدمع واحد، لا فرق بين ما تراه في عيني شاب يسكن مدينة الصدر، وعيني شاب جاء من الموصل .

وأنا أنظر إلى الوجوه التي انمحت منها علامات الطائفية والمذهبية.. وجوه تعيد اكتشاف جوهر هذا الشعب.. وجدت نفسي أمام مواطنين بسطاء يريدون أن ينفضوا عن هذا الوطن غبار الطائفية والمحسوبية والانتهازية، ولعل أجمل ما في هذه الوجوه أنها أثبتت أننا شعب لم يتفسخ بعد، رغم سياسة التنكيل والإفساد وشراء الذمم التي مورست خلال السنوات الماضية، شعب لم يفسد رغم محاولات البعض بإفساد مناخ الألفة فيه وزرع قيم الطائفية واشاعة نظرية حنان الفتلاوي التوازنية ، وبث الفرقة بين أبنائه على طريقة محمد الكربولي الذي يتهم العراقيين انهم يتعاركون على دجاجة ، فكيف اذا كان الامر مناصب وملايين الدولارات ، وسياسة التخويف والقتل على الهوية التي تمارسها الجماعات المسلحة ، أدهشتني وأفرحتني هذه الاستعادة المبهجة لأصالة ووطنية الشخصية العراقية في لحظة تصور البعض أن أحزاب الطوائف استطاعت أن تحرق مساحات الفرح والخضرة فيها، وهل هناك وطنية أكبر وأنضج من الموقف الذي اتخذنه هذه المرأة التي لا نعرف إلى أي طائفة تنتمي، حين وقفت تهتف بصوت عال وهي ترى أحد أبنائها كما سمتهم، يقرأ قصيدة، لم تسأل إلى أي طائفة ينتمي، وفي أي محافظة يسكن أهله وأقاربه ففي عتمة الانتهازية السياسية وألاعيب القرقوزات ، وفي ظل مخطط شديد لتسفيه المتظاهرين ووصفهم بالعمالة، نجد أناسا بسطاء يتحدثون عن الضمير فنشعر بنبرة الصدق تشرق في ملامح وجههم، لا فرق بين مسلم ومسيحي، بين سني وشيعي، كردي وعربي ، الجميع انصهر في بوتقة واحدة اسمها العراق، هذا الشعب قفز فوق أحزابه الكرتونية، وسياسييه المتعجرفين.

ياجنرالات الطائفية أنتم مهزومون حتما.. ستهزمكم دموع الفرح التي سكبتها هذه المرأة وهي تهتف باسم العراق.. سيهزمكم عراق واحد يدافع عن نفسه ضد إرهابكم. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. مثنى العبوسي

    صدقت و بوركت بان سطرت ما يشعر به العراقيين البسطاء الأبطال الشرفاء، نصر الله المظلوم على الظالم بسلمية التظاهرات وأخذ الظالم بظلمه ودمويته أخذ عزيز مقتدر وقريبا ان شاء الله.

يحدث الآن

البرلمان يتوعد بـ10 استجوابات: ستمضي دون عراقيل

انتحاريون على أبواب حلب.. ماذا يجري في سوريا؟

الدفاع التركية تقتل 13 "عمالياً" شمالي العراق

مجلس ديالى يفجر مفاجأة: ثلاثة اضعاف سرقة القرن بالمحافظة "لم يُعلن عنه"

الشرطة العراقي يغادر إلى الدوحة لملاقاة بيرسبوليس الإيراني في دوري أبطال آسيا

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram